خامساً: وتأسيساً على ما سبق فإن المخرج من الفتنة والخلوص من الأزمة إنما يكون بالعودة إلى أول الطريق، وتصحيح أول منـزل، كما فعل
الغزالي رحمه الله حين ضرب في التيه كل سبيل، وأخيراً عاد للكتاب والسنة ومات و
صحيح البخاري على صدره، وكان يردد:
<
تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل وعدت إلى تصحيح أول منزل
وجماع ذلك العودة إلى كتاب الله الحكيم الذي فيه نبأ ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، وتفصيل سنن الله فينا، وفي غيرنا، وبيان حقيقة عدونا؛ بالإقبال عليه بالتدبر والفهم والاستنباط والعمل، فكم من آية فيه كأنما أنـزلت علينا اليوم، وبخصوص ما نحن فيه، ولكن أكثر المسلمين يمرون عليها وهم عنها غافلون، وهل فصل الله فيه الحديث عن أهل الكتاب في أطول السور إلا بعلم وحكمة وليكون هدى وذكرى ورحمة للمؤمنين؟
فلو أن المجاهدين التـزموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على التمام - ومن ذلك التشاور مع من يهمه الأمر، وترك الافتئات على سائر الأمة- لتحقق لهم من النكاية في العدو وقوة الشوكة ما ينفع ولا يضر، ولما كان لأحد أن يعترض عليهم إلا منافق معلوم النفاق.
ولو أن المفتين والكتاب والخطباء والمذيعين وزنوا هذا الحادث، والمعاملة معه بميزان القرآن؛ لخرجوا بأفضل النتائج وحققوا أعظم المصالح، وتجنبوا المفاسد الكثيرة، ومنها الفوضى والتضارب في الآراء، مع أن العامة كانوا على قلب رجل واحد عند وقوع الحادث، وما شذ من شذ منهم إلا بعد اختلاف أهل العلم والرأي.
ولو أن المصلحين والمربين والدعاة أجمعين التـزموا ذلك لما تحولوا إلى (ظاهرة صوتية!) ولفزعوا إلى وضع الخطط والبرامج لتلافي الفرقة، واستدرك التفريط في جوانب عظيمة من الدين، باسم الحكمة أو مصلحة الدعوة أو ما كان عليه المشايخ المتبوعون!!
ولو أن المقيمين في بلاد الغرب التـزموا ذلك لكان أعظم فتح للإسلام في تلك المجتمعات المظلمة الضالة.