صدام حسين رجل مصاب بداء العظمة، وهو مفتون مغرور لا يبالي في سبيل تحقيق أحلامه في الزعامة بما يسفك من دم أو يبدد من ثروة أو يدمر من أمة، وقد أتاح له الفراغ القيادي الهائل الذي يعيشه العرب فرصة للبروز زعيماً للأمة العربية التي من السهل بروز زعيم لها!! كل ما في الأمر تهديدات مستمرة لـإسرائيل، عنتريات جوفاء، إنجازات وهمية كما فعل جمال عبد الناصر من قبل.
والأمة على حق حين تقيس الزعيم بمدى صلابة موقفه من إسرائيل والغرب؛ لكنها لا تفرق بين الصادق والممثل، كما أن هذا ليس هو المعيار الوحيد!! وصدام لم يكن خافياً عليه ما تخطط له الدول الكبرى، بل هو باعتباره لاعباً يدرك أن اللعبة الدولية الجديدة ستبدأ، وأنه ليس أمامه وأمام كل زعيم آخر في المنطقة إلا أحد خيارين:
إما أن يسير في ركب اللاعبين الكبار بلا اعتراض، وهذا ما يجزم صدام أن معناه خروجه من اللعبة نهائياً؛ إنه هو والملك حسين وياسر عرفات والبشير وبعض زعماء دويلات دول الخليج يعلمون تماماً أنهم سيطردون خارج الحلبة، لأن قواعد اللعبة الدولية ومصلحة المرحلة تقتضي ذلك مع اختلاف الأسباب بالنسبة لكل منهم.
وإما أن يعترض ويناطح اللاعبين وهي مغامرة، لكن لا بد منها، وربما تحقق بعض المكاسب، ومن ذلك:
إذا كان غرض الغرب إيجاد حليف قوي له وتنصيبه شرطياً للمنطقة فـصدام يرى نفسه أهلاً لذلك، وهو أول من يعلم أن شعاراته الرنانة بعداوة الغرب هراء، وأن استعداده للقيام بهذا الدور وتخليه عن كل شعار ومبدأ لا يثير لديه أي مشكلة؛ بل عليه أداء الدور كاملاً مع بقاء الشعارات والتطبيل الإعلامي!!
وأما إن كان الغرب يريد السيطرة المباشرة على المنطقة وتدمير العراق وإنهاء زعامته أو إيجاد حليف غير عربي (إسرائيل أو تركيا مثلاً) فلا بد إذاً من دخول اللعبة من باب المعارضة التي ستحقق بلا ريب التفافاً جماهيرياً له وخسائر أقل!! وعلى كلا الحالين يجب أن يكون قوياً وأن يُظهِر ذلك للغرب!!
وهكذا أبرز صدام نفسه زعيماً قوياً للعرب، فقوة العرب الاقتصادية تحت يده (عن طريق دول الخليج) وقوتهم المباشرة كذلك (عن طريق المجلس الرباعي وتوابعه) ومن هنا طمع صدام أن يكون شريكاً للغرب إن لم يرضوا به شرطياً، وهذه الشركة إن لم تحقق أرباحاً فربما قليلة الخسائر!!
ومنطلق صدام هذا له ما يبرره في أسلوب التعامل الدبلوماسي عامة والغربي خاصة!! فالغرب يسير على قاعدة "لا تعط الموافق لأنه مضمون، ولكن أعط المعارض ليسكت" وقد استخدمها ديجول مع أمريكا وتركتها بريطانيا فلم يمر سنوات حتى صارت فرنسا قوة عالمية كبرى، وبريطانيا كولاية أمريكية؛ واستخدمها كذلك كاسترو وتيتو وعبد الناصر فأصبحوا زعماء عالميين، أما الموافِقون مثل: الشاه وهيلا سلاسي وبو رقيبة، فقد ذهبوا دون أن يشعر بهم أحد ومن هنا لا أستبعد في الجملة لا على التفصيل-إذ بعضُ التفصيلات المنشورة مرفوضة بداهة- اقتناع صدام بفكرة الخروج على اللعبة وإقناع الأصدقاء الموثوقين بها، ومن السهل جداً إقناع الملك حسين والبشير وعرفات بها، فـأمريكا لا تخفي تبرمها بهم، وقريب منهم اليمن، أما مصر فربما كانت غلطة صدام التي أظن أنه نادم عليها جداً!!
لقد زَيَّن لهم أن في الإمكان استباق الأحداث، وبدلاً من أن ننتظر الغرب حتى يرسم خارطتنا ويغير معالم المنطقة لِم لا نسبقه نحن ونضعه أمام أمر واقع إن لم يشل خططه فلا أقل من تعديلها لمصالح هؤلاء؟
وقد يُقال: والسعودية؟
والجواب عند صدام سهل وهو: أن السعودية مدركة لخطط الغرب وأنها مستهدفة منه، وسياستها الثابتة الإقرار بالأمر الواقع متى ما أصبح واقعاً، وهي على أية حال ستجد أن تحالفاً يضم دولاً عربية خير لها من تحالف يضم وارسو والناتو... و... وأتباعهما!! ثم إن علاقتها بـأمريكا لا تسمح لها بالمعارضة وهي لا تطمع في أكثر من حل معقول للقضية الفلسطينية وعدم التدخل في شئونها الداخلية!!
ومن هنا لم ير صدام ضرورة اطلاع السعودية على الخطة!! دون أن ينسى دورها المؤثر مالياً وسياسياً وخوفها البالغ من ضربة إسرائيلية مفاجئة للعراق والأردن وربما لها!!
وهكذا طرح صدام مع حسني مبارك وحسين وغيرهما فكرة الاستيلاء على الكويت، وقد سمعتم تصريحاتهم بذلك بعد الغزو وأن ذلك هو أسهل طريق لإرباك اللعبة الدولية في نظره، وهو أمر له مبرراته عند هذه الدول، فما الذي ستخسر مصر؟... عودة المتعاقدين مثلاً؟ هذه سيعوضها صدام من ثروات الكويت الهائلة.
والأردن ستتخلص من مشكلة الفلسطينين، وكلما قويت العراق عسكرياً واقتصادياً فهو أفضل له من جهة ردع إسرائيل ومن جهة كون الأردن منفذاً للعراق إلى القناة والبحر الأحمر!! فارتباطه بـصدام سيُطيل رمقه على الأقل!!
واليمن فوق كون بعض زعمائها بعثيين تابعين له لن تخسر أيضاً مساعدات الكويت، وستتغذى وحدتها الهشة من شعارات جديدة من معاداة الغرب.
وأما البشير فماذا سيخسر وهو لا يُعطى أي شيء أصلاً، لقد قطعوا عنه الحبوب والديزل وكل شيء..!! ولم يمد له يد العون إلا صدام الذي يأخذ منهم ويُعطي من يشاء!!
وياسر عرفات عصرته أمريكا حتى لفظته، وسوريا ضده فهو في حكم المفلس كلياً، فالتعلق بذيل صدام خير له من الإعدام!!
ودول الخليج الأخرى يعلم صدام أن بعضها غير مرتاحة لحكومة الكويت ولن تندم عليها!! فهي تدَّعي الديمقراطية، وصحافتها مقلقة، وتتمركز فيها بعض أطراف المعارضة العربية!!
ولسان حال الجميع يقول: على أية حال إذا فشل صدام فمن الأسهل أن ننفي أي معرفة بالأمر، بل في إمكاننا أن نستنكره!! وهكذا السياسة الدائمة.
ثم إن المساعدات المالية من دول الخليج ستعود بمجرد صلح ظاهري هش!! فما المانع من المغامرة؟
  1. خطط العراق لاجتياح الكويت

  2. الدور الأمريكي في عملية اجتياح العراق للكويت

  3. الشواهد الدالة على خطط صدام لاحتلال الكويت