صدام حسين رجل مصاب بداء العظمة، وهو مفتون مغرور لا يبالي في سبيل تحقيق أحلامه في الزعامة بما يسفك من دم أو يبدد من ثروة أو يدمر من أمة، وقد أتاح له الفراغ القيادي الهائل الذي يعيشه العرب فرصة للبروز زعيماً للأمة العربية التي من السهل بروز زعيم لها!! كل ما في الأمر تهديدات مستمرة لـإسرائيل، عنتريات جوفاء، إنجازات وهمية كما فعل جمال عبد الناصر من قبل.
والأمة على حق حين تقيس الزعيم بمدى صلابة موقفه من إسرائيل والغرب؛ لكنها لا تفرق بين الصادق والممثل، كما أن هذا ليس هو المعيار الوحيد!! وصدام لم يكن خافياً عليه ما تخطط له الدول الكبرى، بل هو باعتباره لاعباً يدرك أن اللعبة الدولية الجديدة ستبدأ، وأنه ليس أمامه وأمام كل زعيم آخر في المنطقة إلا أحد خيارين:
إما أن يسير في ركب اللاعبين الكبار بلا اعتراض، وهذا ما يجزم صدام أن معناه خروجه من اللعبة نهائياً؛ إنه هو والملك حسين وياسر عرفات والبشير وبعض زعماء دويلات دول الخليج يعلمون تماماً أنهم سيطردون خارج الحلبة، لأن قواعد اللعبة الدولية ومصلحة المرحلة تقتضي ذلك مع اختلاف الأسباب بالنسبة لكل منهم.
وإما أن يعترض ويناطح اللاعبين وهي مغامرة، لكن لا بد منها، وربما تحقق بعض المكاسب، ومن ذلك:
إذا كان غرض الغرب إيجاد حليف قوي له وتنصيبه شرطياً للمنطقة فـصدام يرى نفسه أهلاً لذلك، وهو أول من يعلم أن شعاراته الرنانة بعداوة الغرب هراء، وأن استعداده للقيام بهذا الدور وتخليه عن كل شعار ومبدأ لا يثير لديه أي مشكلة؛ بل عليه أداء الدور كاملاً مع بقاء الشعارات والتطبيل الإعلامي!!
وأما إن كان الغرب يريد السيطرة المباشرة على المنطقة وتدمير العراق وإنهاء زعامته أو إيجاد حليف غير عربي (إسرائيل أو تركيا مثلاً) فلا بد إذاً من دخول اللعبة من باب المعارضة التي ستحقق بلا ريب التفافاً جماهيرياً له وخسائر أقل!! وعلى كلا الحالين يجب أن يكون قوياً وأن يُظهِر ذلك للغرب!!
وهكذا أبرز صدام نفسه زعيماً قوياً للعرب، فقوة العرب الاقتصادية تحت يده (عن طريق دول الخليج) وقوتهم المباشرة كذلك (عن طريق المجلس الرباعي وتوابعه) ومن هنا طمع صدام أن يكون شريكاً للغرب إن لم يرضوا به شرطياً، وهذه الشركة إن لم تحقق أرباحاً فربما قليلة الخسائر!!
ومنطلق صدام هذا له ما يبرره في أسلوب التعامل الدبلوماسي عامة والغربي خاصة!! فالغرب يسير على قاعدة "لا تعط الموافق لأنه مضمون، ولكن أعط المعارض ليسكت" وقد استخدمها ديجول مع أمريكا وتركتها بريطانيا فلم يمر سنوات حتى صارت فرنسا قوة عالمية كبرى، وبريطانيا كولاية أمريكية؛ واستخدمها كذلك كاسترو وتيتو وعبد الناصر فأصبحوا زعماء عالميين، أما الموافِقون مثل: الشاه وهيلا سلاسي وبو رقيبة، فقد ذهبوا دون أن يشعر بهم أحد ومن هنا لا أستبعد في الجملة لا على التفصيل-إذ بعضُ التفصيلات المنشورة مرفوضة بداهة- اقتناع صدام بفكرة الخروج على اللعبة وإقناع الأصدقاء الموثوقين بها، ومن السهل جداً إقناع الملك حسين والبشير وعرفات بها، فـأمريكا لا تخفي تبرمها بهم، وقريب منهم اليمن، أما مصر فربما كانت غلطة صدام التي أظن أنه نادم عليها جداً!!
لقد زَيَّن لهم أن في الإمكان استباق الأحداث، وبدلاً من أن ننتظر الغرب حتى يرسم خارطتنا ويغير معالم المنطقة لِم لا نسبقه نحن ونضعه أمام أمر واقع إن لم يشل خططه فلا أقل من تعديلها لمصالح هؤلاء؟
وقد يُقال: والسعودية؟
والجواب عند صدام سهل وهو: أن السعودية مدركة لخطط الغرب وأنها مستهدفة منه، وسياستها الثابتة الإقرار بالأمر الواقع متى ما أصبح واقعاً، وهي على أية حال ستجد أن تحالفاً يضم دولاً عربية خير لها من تحالف يضم وارسو والناتو... و... وأتباعهما!! ثم إن علاقتها بـأمريكا لا تسمح لها بالمعارضة وهي لا تطمع في أكثر من حل معقول للقضية الفلسطينية وعدم التدخل في شئونها الداخلية!!
ومن هنا لم ير صدام ضرورة اطلاع السعودية على الخطة!! دون أن ينسى دورها المؤثر مالياً وسياسياً وخوفها البالغ من ضربة إسرائيلية مفاجئة للعراق والأردن وربما لها!!
وهكذا طرح صدام مع حسني مبارك وحسين وغيرهما فكرة الاستيلاء على الكويت، وقد سمعتم تصريحاتهم بذلك بعد الغزو وأن ذلك هو أسهل طريق لإرباك اللعبة الدولية في نظره، وهو أمر له مبرراته عند هذه الدول، فما الذي ستخسر مصر؟... عودة المتعاقدين مثلاً؟ هذه سيعوضها صدام من ثروات الكويت الهائلة.
والأردن ستتخلص من مشكلة الفلسطينين، وكلما قويت العراق عسكرياً واقتصادياً فهو أفضل له من جهة ردع إسرائيل ومن جهة كون الأردن منفذاً للعراق إلى القناة والبحر الأحمر!! فارتباطه بـصدام سيُطيل رمقه على الأقل!!
واليمن فوق كون بعض زعمائها بعثيين تابعين له لن تخسر أيضاً مساعدات الكويت، وستتغذى وحدتها الهشة من شعارات جديدة من معاداة الغرب.
وأما البشير فماذا سيخسر وهو لا يُعطى أي شيء أصلاً، لقد قطعوا عنه الحبوب والديزل وكل شيء..!! ولم يمد له يد العون إلا صدام الذي يأخذ منهم ويُعطي من يشاء!!
وياسر عرفات عصرته أمريكا حتى لفظته، وسوريا ضده فهو في حكم المفلس كلياً، فالتعلق بذيل صدام خير له من الإعدام!!
ودول الخليج الأخرى يعلم صدام أن بعضها غير مرتاحة لحكومة الكويت ولن تندم عليها!! فهي تدَّعي الديمقراطية، وصحافتها مقلقة، وتتمركز فيها بعض أطراف المعارضة العربية!!
ولسان حال الجميع يقول: على أية حال إذا فشل صدام فمن الأسهل أن ننفي أي معرفة بالأمر، بل في إمكاننا أن نستنكره!! وهكذا السياسة الدائمة.
ثم إن المساعدات المالية من دول الخليج ستعود بمجرد صلح ظاهري هش!! فما المانع من المغامرة؟
  1. خطط العراق لاجتياح الكويت

    أما كيف كان صدام يخطط للإخراج فقد اتضح كله تقريباً:
    هجوم عسكري مباغت يهدف أساساً إلى القبض على الأسرة الحاكمة مما يؤدي إلى ما سمي الفراغ الدستوري، ثم يُملأ الفراغ بتشكيل سريع بحكومة موالية من قوى المعارضة التي بلغ بها السخط ذروته في الأيام الأخيرة، ثم انسحاب صوري للقوات العراقية، والحكومة الجديدة سوف تعلن فصل كل وزير أو سفير يؤيد الأسرة، وتصبح حكومة شرعية (كما يسمونها) بمجرد أن تمسك بالسلطة كالعادة في انقلابات العالم كله، وستعلن أن صدام ما هو إلا جار شقيق هب لنجدتنا وتخليصنا من الاستبداد!!
    (وهكذا قبل أن يستطيع العرب أو العالم فعل أي شيء يكون الأمر قد انتهى إلى طي الكويت تحت جناح العراق وسيطرته، ويستمر الحال ربما سنين معدودات حتى تهدأ المعارضة الدولية، وتطلب الحكومة الاندماج في العراق) والغرب سيحتج ويستنكر ويقاطع، ولكن كل شيء سيصبح طبيعياً مع الزمن، وسيتعاملون مع الأمر الواقع مرغومين!!
    ولن يكون الم3000817هم لـأمريكا والحال هذه موضوع الكويت، بل الموقف القوي لـصدام في الخليج والمنطقة، بل في مجموعة الأوبك التي سيصبح زعيماً لها أيضاً!!
    وسوف تُشن معارك دبلوماسية واقتصادية بين صدام حسين والغرب، ولعلم صدام حسين بالمخطط الكوني لإنهاء جميع المشكلات سوف يطالب هو بربط قضايا المنطقة جميعاً (وهو ما فعله في مبادرته المشهورة) فيحقق بذلك نصراً وهمياً عند الجماهير العربية ويطيل من أمد نهايته، لأن حل القضايا يستدعي وقتاً وجهوداً طويلة، وسوف يضرب صدام بعض الغرب ببعض بحكم مركزه القوي في الدول العربية ومنظمة الأوبك!!
    وسوف يبتز دول الخليج وخاصة الصغرى منها، وسوف تستسلم لزعامته دون حاجة إلى أن يثير العرب والعالم عليه باحتلالها، لا سيما وأنها تختلف عن الكويت إذ ليس فيها مبرر تاريخي، وليس بينه وبينها خلاف حدودي ولا يمكن ضمها جغرافياً، وأي فائدة تُرجى من احتلالها ستحقق بغيره..!! حتى دولة الإمارات التي ارتبطت بـالكويت في هجومه الإعلامي لم يفكر أن يحتلها، ولو شاء لكفته ذلك فرقة واحدة قبل قدوم جيوش الغرب. كيف وقد غصَّ بـالكويت وأخذ يناور للتخلي عن أجزاء منها!! وأعلن ثاني أيام الغزو انسحابه منها، وذكر مراسلو الإذاعات الغربية أنهم شاهدوا ذلك عياناً!!
    والذي أصبح اليوم في حكم المقطوع به أن صدام قد تلقى من أمريكا إشارة خضراء للزحف على الكويت (كما سنوضح)، وأن غروره وحماقته قد أوقعته في شراك يصعب الخلاص منه، وأن مخططه هذا قد ارتبك جداً.
    فآل الصباح هربوا قبيل وصول دباباته إلى قصورهم بقليل، والفراغ الدستوري لم يحدث، والمعارضة رفضت التعاون معه، وضباطه لم يجيدوا التمثيل فيما وكل إليهم من أدوار للحكومة الحرة، ومن هنا تناقض وارتبك وأعلن آخر ما كان يمكن أن يفعله وهو ضم الكويت نهائياً عقب إعلان انسحابه منها وتشكيل الحكومة الحرة!!
    وكل من يستذكر وقائع الحدث أو يعيد الاطلاع على الصحف سيجد هذا واضحاً.
  2. الدور الأمريكي في عملية اجتياح العراق للكويت

    وهنا نعرض لدور أمريكا في الإخراج مذكِّرين بما سمعه المتتبعون لوسائل الإعلام قبل الحادث:
    فـأمريكا هي التي طلبت من دول الخليج رفع إنتاجها ليرخص السعر وتنهار العراق اقتصادياً، وهي التي أبلغت العراق عن سرقة الكويت لـحقل الرميلة، وهي التي تحدثت وأنذرت من حشود عراقية باتجاه الكويت، وهي التي أشاعت في بعض مصادرها الإعلامية أن الكويت مولت مؤامرة عسكرية للإطاحة بـصدام، وأخيراً أعطت صدام الضوء الأخضر لاقتحام الكويت كما جاء في محضر لقاء السفيرة الذي سنعرضه ضمن الشواهد!!
    وعشية الغزو -ليلة الجمعة- أعلن بوش بالحرف ''أن تجاوز العراق للكويت إلى غيرها هو أمر غير مقبول'' هذا نص ما أعلنته الإذاعات ونشرته الصحف ومفهومه الواضح -وعاه صدام وحزبه فتوهموا إمكانية الاعتراف له بالكويت.
    ولما أعلن صدام الحكومة الحرة رد بوش بإعلان أن أمريكا ترفض الاعتراف بحكومة دُمية، ومفهومه كان الإيغال في الشراك بإعلان الدمج وتقويض الدُمية!!!
    فلما استحكمت الأنشوطة وأصبح التراجع مستحيلاً تماماً أعلن بوش حملته التي لم تهدأ لإعادة آل صباح وفرض القانون الدولي، ومعاقبة من خرقه... إلخ. وشرعت أمريكا تساوم دول الخليج للتدخل العسكري، وترددت الدول وحاولت الامتناع، وأخيراً جرى الإعلان هنا عن "طلب المساعدة" من أمريكا في حين أعلنتها أمريكا "موافقة" على التدخل، أي أنها هي الطالبة وهذه هي الحقيقة في نظري!!
    ومنذ ذلك اليوم حتى اليوم والذي يتردد في وسائل الإعلام الأمريكية كافة هو أن أمريكا تدخلت لا أنها أعانت!! تدخلت لتحقيق استراتيجيتها وحماية مصالحها والقضاء على عدو يهدد هذه المصالح، لا أنها أعانت صديقاً لها يخشى أن يهاجمه جاره!!
    ومن ذلك جواب بوش الشهير لما سُئل في مجلس الشيوخ الأمريكي ''كيف ترسل أمريكا أبناءها من أجل شيوخ النفط المستبدين؟ فأجاب: نحن ذهبنا من أجل شيوخ أمريكا ومصالحها وليس من أجل شيوخ النفط!!''
    وبعد نزول الأمريكان أعلن طاغوت البعث "الجهاد المقدس" ورد بوش بالإعلان عن كفر صدام وإلحاده وأنه لا يمثل الإسلام، كما أعلنت تاتشر أنه لا وجه لمقارنته بصلاح الدين الأيوبي (رحمه الله وطيَّب ثراه)، وتحول هياج الرأي العام في العالم الإسلامي نتيجة الإعلام البعثي المركز من استنكار احتلال الكويت إلى استنكار دخول القوات الأجنبية.
    ونتيجة هذا الغليان الذي لم يهدأ احتاجت الحكومة لصوت إسلامي مضاد، فكان إعلان التأييد من مجلس القضاء الأعلى ثم من هيئتكم الموقرة، وتم طلب ذلك أيضاً من المحاكم الشرعية في المناطق كما تعلمون!!
    ومع تحفظي على صيغة التأييد من جهة أنه لم يشر إلى أسباب البلاء ووسائل دفعها ولو بإيجاز، ومن جهة أنه لم يُقيِّد الضرورة... وغير ذلك فقد ارتحت من جهة أنه لم يذكر أدلة تفصيلية.
    ثم ظهر بعض الخطباء بهيئة المستدرك عليكم، فذكروا أحاديث لا تدل على المقصود؛ لأن مناط الحكم مختلف تماماً، إما لأنها ليست في باب الجهاد أصلاً وإما لاختلاف الواقع اختلافاً كلياً.
    فلم يسعني إلا إعلان رأيي كما سمعتموه، وكانت القضية الأساسية عندي وما تزال هي تصور الواقع على حقيقته، وتحذير الأمة من مخاطره في المستقبل، لا سيما بيان أن ما أصابنا هو من عند أنفسنا، وأن الرجوع إلى الله والضراعة له والاستكانة أساس الحل، وضرورة التوكل على الله وحده وإعداد العدة للاستغناء عن كل ما سواه وإحياء فريضة الجهاد، وتدارك مفاسد وجود هذه القوات، وبيان تقصيرنا وتفريطنا في الإعداد وفي معاملتنا لصدام وغيره، وفتح المجال للدعوة وإنكار المنكر... وما أشبه ذلك.
    هذا هو خلاصة ما كنتُ أردده ولا أزال وأكرر في كل مناسبة التحذير من التهور والاندفاع العاطفي وترك الحكمة في معالجة الأمور!!
    لقد قُضي الأمر وحلَّت الكارثة فلم يعد مجدياً الخلاف في المسألة فقهياً، بل الواجب تدارك آثار هذا الوجود المدمر وإعداد الأمة للخلاص من أسبابه ونتائجه بأفضل الأساليب وأحكمها ومنها ما أشرت إليه آنفاً.
    ثم جاءت الوقائع لتُصدِّق التوقعات، وظهرت الشواهد المؤيدة لما خِفتُهُ وحذَّرتُ منه، ولن أطيل عليكم بذكر مآسي الواقع المؤلم عقدياً وسلوكياً، معنوياً ومادياً بعد نزول القوات فكلكم يعلمه، وأنا أعلم أن كثيراً ممن لديهم حقائق جلية عن ذلك قد عرضوها عليكم، ولكنني سأقتصر على شواهد دالة على ما توقعته من خطط صدام كما ذكرت الشواهد الكثيرة على خطط الغرب.
  3. الشواهد الدالة على خطط صدام لاحتلال الكويت

    1] نشرت مجلة المجلة السعودية في عددها بتاريخ 14/20ربيع الأول، مقابلة مع حسن العلوي! والذي كان مسئولاً إعلامياً وحزبياً بارزاً في العراق، وكان في المقابلة سؤال: ''ما هي في نظركم الأسباب التي دفعت صدام حسين إلى غزو الكويت؟''.
    وكان من الجواب بعد أن نفى أن يكون الهدف اقتصادياً أو توسعياً كما تذكر الصحف المصرية وغيرها:
    ''إن ضمَّ الكويت هدف قديم في سياسة صدام حسين، وقد تناولت ذلك في دراسات عديدة أشير إلى بعضها (مقال في جريدة تشرين السورية- العدد الصادر بتاريخ 3-تموز-يوليو- 1982، مقال في جريدة الجهاد الناطقة بلسان حزب الدعوة الإسلامي العدد الصادر في 4نيسان-إبريل-1983، وفي جريدة التيار الجديد الصادرة في لندن بتاريخ (11أذار-مارس- 1985)، وقد أكدتُ في تلك المقالات على أن صدام سيضم الكويت بعد انتهاء الحرب لكن توقيت العملية سيبقى مرهوناً بظروفها.
    أما وقد تمت في الثاني من آب- أغسطس-1990م أي بعد سبع سنوات على نشر أقدم مقال أشرت فيه إلى احتمال الضم، فإن بالإمكان الآن الاستعانة، لا بعلم السياسة بل بسايكولوجية صدام حسين وأسلوبه في العمل لمعرفة السبب المباشر، وهو سبب يرتبط بالمتغيرات الكبيرة وسقوط الدكتاتوريات في أوروبا الشرقية، وما أعقب ذلك من مواجهة كتابات صحفية وتصريحات سياسية عن توقع هبوب الرياح الديمقراطية على المنطقة العربية، وقد رشحت صحف عالمية ومصادر عربية العراق الاسم الأول في قائمة من ستهب عليه رياح التغيير، وكانت حتى الصحف العربية تتحدث عن وجود شاوشيسكو عربي، بينما أشارت صحف غربية إلى أن شاوشيسكو يبدو "وزة" مسالمة بجانب صدام حسين.
    صدام في أعماقه كان يحمل مخططاً آخر يستند إلى نظريته في الأمن الوقائي التي تستهدف ضرب الخصم، وهو في مرحلة حمل النوايا قبل أن تترجم النوايا إلى أحداث، إنه ليس ذلك الذي يمنح خصمه الضربة الأولى، لقد اختار -وكان ناجحاً- بمعايير خاصة أن يهاجم المستقرات الدولية ويهدد المصالح الأمريكية والغربية مباشرة بعملية تستطيع أن تغير بؤرة الاهتمام وتجعل المطالب الديمقراطية على هامش مهمل، ولم يكن أفضل من غزو الكويت ما يحقق له ذلك.
    لقد هيأ لذلك بتهديدات تأكل نصف إسرائيل، وتحرش بـبريطانيا حين أعدم صحفياً لها، وأعلن بعد غزو الكويت أن العراق يقود العرب لمواجهة أمريكا... هل يعني أنه كان مضطراً؟ إنه لم ينفذ عمليته مختاراً أو من موقع القوة بل بتصرف المحكوم عليه بالإعدام، ولهذا فهو لن ينسحب. الحكم صادر عليه وهو ليس من هؤلاء الذين يثقون بوعود قد تقدم إليه باستمراره بالسلطة بعد الانسحاب...
    ولأن القرار العراقي لا يخضع لقوانين علم السياسة، فقد تكبو توقعاتنا وينسحب صدام''...اهـ.
    2) نشرت جريدة الحياة بتاريخ 3ربيع الأول مقالاً بعنوان: لماذ أمر صدام بتسريب محاضر جلسته مع غلاسبي- أي مع سفيرة أمريكا في بغداد جاء فيه:
    ''واضح من تعارض الصيغ التي طرحتها حكومة العراق خلال شهر آب (أغسطس) إنها كانت ترتجل الحلول بطريقة عشوائية تدل على الضياع وعدم الثبات، كأن هناك خطأ ما حدث أثناء تنفيذ عملية الاجتياح أدى إلى إرباك الخطة كلها، ويقول القادمون من منطقة "دسمان": إن الأمير وأفراد العائلة غادروا قبل 7 دقائق فقط من وصول الوحدة العراقية المكلَّفة بأسرهم أو اغتيالهم، وكان المطلوب على ما يظهر إحداث قرار دستوري نتيجة للعملية التي لم تتكامل، وبهذا يكون الرئيس صدام حسين حقق غرضه بالتخلص من السلطة "المتعبة"، ووضع الكويت أمام احتمال الإتيان بصيغة التحالف تكون للمعارضة فيها حصة الأسد، لكن خروج الأسرة الحاكمة إلى السعودية أدى إلى الإقلاع في اتجاه معاكس، ففي الأيام الأربعة الأولى تحدثت بغداد عن نية الانسحاب المشروط خصوصاً بعدما رفضت إدارة جورج بوش التجاوب مع بشارات الحوار التي أرسلت بواسطة شخصية عربية إلى مكتب جون سنونو رئيس أركان البيت الأبيض''.
    ومع صدور قرار الإنزال الأمريكي تغيرت صورة الأزمة ونقل موضوع التسوية إلى إنشاء هونغ كونغ كويتية كبوابة نظام "حر" يتمتع بحكم ذاتي، ثم سقط هذا الخيار أيضاً؛ لأن المعارضة رفضت أي تعاون لتشكيل حكومة ثورية، ولكي تتحاشى بغداد الإشكال القانوني حول شرعية النظام الجديد أعلنت ضم الكويت واعتبرتها امتداداً جغرافياً وتاريخياً للعراق.
    ثم تحدث عن محضر الاجتماع بين صدام والسفيرة (المحضر الرسمي الذي سربه العراقيون) يفتح باب الاجتهاد على الاحتمالات المختلفة، ويعطي الانطباع بأن السفيرة التي اشتغلت في حل الأزمة اللبنانية تعرف جيداً ماذا كان يعني صدام حسين بقوله: عندما نجتمع في جدة ونرى أن هناك أملاً في التوصل إلى تسوية، فأنا على يقين بأن شيئاً لن يحدث، أما إذا فشلنا في إيجاد حل عندئذ يبقى من الطبيعي أن يرفض العراق الموت والهلاك!!
    جاء هذا الكلام في معرض الاستيضاح عن الغاية من نشر قوات عراقية مكثفة على طول الحدود مع الكويت. وقالت السفيرة "الدقيقة الحجم الخافتة الصوت": إن واشنطن طلبت منها -من موقع الصداقة لا التحدي- الاستفسار عن معنى هذا التجمع العسكري وإبلاغها الرئيس العراقي بطريقة رمزية أن اجتماع جدة ربما كان آخر حل دبلوماسي، وأكثر من هذا فإن وقائع المحضر تشير إلى إنذار واضح حول الخطوات العملية التي سيقدم عليها العراق إذا فشلت المفاوضات وقال لها حسبما جاء في المحضر:
    ''إذا كان بمقدورنا الاحتفاظ بكل العراق -يعني الكويت أيضاً وشط العرب- فإننا لن نقدم أي تنازل، أما إذا خيرنا على نصف شط العرب فنحن على استعداد للتنازل عن النصف الآخر لـإيران شرط الاحتفاظ بكل العراق على النحو الذي نبتغيه''.
    بعد انقضاء أربعة أيام على الاجتياح استقبل صدام حسين القائم بالأعمال الأمريكي -جوزيف ويلسون- لأن السفيرة غلاسبي انتقلت إلى باريس لقضاء عطلة الصيف وهي حالياً ملحقة في مكتب متواضع في وزارة الخارجية في انتظار مصيرها الدبلوماسي.
    وقال ويلسون:
    ''من المفيد استئناف الحوار، إن هذه هي الطريقة المثلى لإزالة التوتر'' ورد الرئيس العراقي عليه: ''إن بلاده لن تتعرض بالأذى لأي بلد لا يعتدي عليها'' وعاد ويلسون يسأل: ''والسعودية؟ أجاب صدام: إن هذا السؤال لم يخطر لي على بال!! إذا كنتم فعلاً قلقين على السعودية فإن قلقكم لا مبرر له، أما إذا كنتم تدفعون السعودية إلى أن تقلق فهذا أمر آخر''.
    وفي ردها على هذا السؤال قالت السفيرة -غلاسبي- لـصحيفة واشنطن بوست: ''أنه لم يخطر على بالها أن صدام حسين سيحتل كل الكويت'' ومن هذه العبارة الصغيرة بنت المعارضة في الكونجرس حجتها للمطالبة بإقالة بيكر وكيلي لأنهما فشلا في فهم مخاطر هذا الموضوع اهـ.
    ولهذا المحضر رواية أخرى نشرتها مجلة المجلة السعودية في عددها المشار إليه عن مايلز كوبلاند -رجل المخابرات الأمريكي المشهور في المنطقة ومؤلف كتاب لعبة الأمم وغيره- يقول كوبلاند:
    ''إن النص الذي نشر في هذه الصحف كمحضر للاجتماع غير كامل، وإن النص الكامل موجود لدى وزارة الخارجية الأمريكية، وقد اطلع هو على نسخة منه، والذي حصل فيه أن غلاسبي أبلغت صدام أن حكومتها على علم بخطته لغزو الكويت، وحذرته من عواقب مثل هذا العمل بالنسبة إليه شخصياً وإلى النظام في بغداد وإلى البلاد ككل''.
    ونفى صدام من جهته وجود أي خطة لغزو الكويت، لكنه أضاف أنه ''حتى لو حصل مثل ذلك فنحن مهيأون تماماً لردود الفعل الدولية التي لن تتجاوز الصراخ وحملات الغضب في الصحف الغربية. وسيصوت مجلس الأمن على قرار بفرض حظر على العراق، ونحن قادرون على تجاهل ذلك مثلما تجاهلت إسرائيل قرارات مماثلة في السابق، وستصوتون على عقوبات اقتصادية وما شابه ذلك. ومع الوقت سيهدأ كل هذا الضجيج وسيبقى العراقيون في الكويت''.
    ويرى كوبلاند أن إيريل غلاسبي لم تواجه صدام وأنها كانت مرنة معه خلال اللقاء حتى عندما هددها بنية مواجهة الإجماع الدولي ضده، ومن هنا كان الانطباع لدى العراقيين الذين حاولوا تسريبه إلى الصحف الأجنبية وإلى عدد من الدبلوماسيين للإيحاء أنه كانت هناك لا مبالاة أمريكية حيال النوايا العراقية.اهـ
    4- نشرت جريدة السياسة الكويتية الصادرة بـجدة في 7ربيع الآخر1411هـ، بعنوان رئيسي كبير -تقريراً عن الملف الأوروبي للقضية المسمى "جذور الصراع المقبل في الشرق الأوسط" وبالرغم مما في التقرير من أسماء وعبارات يمكن اعتبارها مقحمة أو موجهة توجيهاً خاصاً، فإننا ننقل رواية الملف للقاء السفيرة وهي رواية تدل على معرفة صدام والغرب بتصميم خارطة جديدة للمنطقة وتؤيد ماسبق، يقول الملف:
    ''بعد استماعه لفحوى الرسالة الأمريكية قال صدام حسين للسفيرة:
    أنا لست معنياً بـالسعودية ودول الخليج الأخرى، ولست معنياً أيضاً بأي خارطة لتسوية جديدة في المنطقة، ولكنني معني بضرورة وضع حد للنزاع التاريخي بين الكويت والعراق'' .
    وعقَّبت السفيرة الأمريكية قائلة: ''إن الرسالة التي أُبلغتُ بإيصالها لك أن حكومتي لا تقبل تنفيذ مثل هذا المخطط الذي اتفقتم عليه مع الأردن وإسرائيل، واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية'' .
    ويقول تقرير الملف: ''إن صدام حسين يبدو أنه فهم تعقيب السفيرة الأمريكية بما يعني أن واشنطن يمكن أن تغض الطرف عن هجوم عراقي على الكويت''.
    وفي الوقت نفسه يبدو أن واشنطن أرادت عبر هذه الرسالة أن تدع الأمور تمضي كما قد يتصورها صدام، حتى إذا ما ابتلع (الطعم) كان قد تورط بالفعل فيما تريد واشنطن، ذلك أن الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت كانت توصلت إلى قناعة بأن النظام العراقي قد أوشك على الدخول في "المنظومة النووية" بشكل يخل بالميزان العسكري الاستراتيجي في المنطقة.
    ويعوق في نفس الوقت أساسيات النظام الدولي الجديد الذي اتفقت عليه واشنطن وموسكو بعد إنهائهما لفصول الحرب الباردة "ولهذا فإن واشنطن بدت وكأنها تستعجل إقدام صدام حسين على مغامرة من هذا النوع، تستوجب الضرورات بعدها أن توجه إليه ضربة عسكرية تقضي على البنية التحتية لكيان العراق وتدمر آلته العسكرية" اهـ.
    ومن المهم هنا أن الجريدة نفسها نشرت في (ص: 3) تحليلاً عن نوايا صدام المبيتة، وأشارت إلى الخطاب الذي ألقاه في فبراير 1990م/ رجب 1410هـ، وفيه تحدث صدام بوضوح عن أفول نجم قوة الاتحاد السوفييتي، كما أن الرئيس العراقي تكهن بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتمتع في السنوات الخمس المقبلة بحرية الحركة في الشرق الأوسط، وتوقع أن تستخدم واشنطن هذه الحرية لإيذاء العرب، مشيراً في هذا الصدد إلى المساعدات الأمريكية للمهاجرين السوفييت إلى إسرائيل، واستمرار وجود القطع البحرية الأمريكية في الخليج على الرغم من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية.
    ويستنتج صدام حسين من ذلك الآتي :
    الدولة التي ستتمتع بالنفوذ الأعظم في منطقة الخليج العربي ونفطه سوف تحافظ من خلال ذلك على قوتها العظمى من دون وجود قوة مماثلة تقف في وجهها.
    وهذا يعني أنه إذا لم يعِ شعب الخليج وسائر العرب ذلك؛ فإن رغبات الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتحكم في الخليج العربي، وبالتالي فإن أسعار النفط سوف تثبت عند مستويات تفيد المصالح الأمريكية وتتجاهل مصالح الآخرين.
    ويخلص الرئيس العراقي بعد ذلك إلى الدعوة لاستخدام أموال النفط التي يستثمرها العرب لفرض تغيرات في السياسة الأمريكية، وربما يجب سحب هذه الأموال وإعادة استثمارها في الاتحاد السوفييتي وبلدان الكتلة الشرقية في أوروبا، ويرى أنه لا مكان في صفوف العرب الطيبين لأصحاب القلوب الضعيفة الذين يجادلون في أن الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى تمثل عنصراً حاسماً، وما على الآخرين سوى الخضوع لها. اهـ.
    5] نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 19: 21/3/ 1411هـ ثلاث مقالات متوالية للأستاذ سلامة أحمد سلامة، المقال الثاني منها بعنوان: "مخطط أمريكي" والثالث: "الوقوع في المصيدة".
    يقول: ''يعتقد أصحاب الرأي القائل بأن غزو العراق للكويت تم بتخطيط أمريكي مسبق...، فإن لم يكن بتخطيط فعلى الأقل بعلم مسبق، وذلك طبقاً لشواهد وأدلة سردناها أمس أن أمريكا كانت بحاجة إلى ظروف وملابسات استثنائية غير عادية تبرر لها العودة إلى فرض نوع من الوجود العسكري في منطقة الخليج.
    أما لماذا تحتاج أمريكا إلى وجود عسكري في الخليج، فلأن مخططي الاستراتيجية الأمريكية يرون أن خط الدفاع الرئيسي عن مصالح أمريكا والغرب قد تزحزح من أوروبا إلى منطقة الخليج... وذلك في ضوء التطورات الدولية الأخيرة بعد أن انهار النظام الماركسي في أوروبا الشرقية، وتم التوصل إلى معاهدات واتفاقيات للحد من الأسلحة الاستراتيجية، ووضعت ضمانات تكفل عدم الاعتداء وعدم نشوب حرب بين أمريكا والاتحاد السوفييتي.
    وبعد أن دخل الاتحاد السوفييتي نفسه تحت جنح الظلام الاقتصادي الغربي واشتدت حاجته إليه، وأصبح التعاون بين القوتين العظميين أكبر من أي تناقض أو تضارب بينهما، هكذا لم يبق أمام أمريكا والغرب بعد أن اختفى التهديد الأيديولوجي والعسكري من جانب السوفييت إلا أن يتركز الاهتمام على مصادر التهديد الأخرى؛ سواء كانت في صورة تهديدات للمصالح الاقتصادية ومصدر الطاقة كما هو الحال في منطقة الخليج، أو في صورة حروب ومنازعات تأتي من الصراعات والمشاكل الإقليمية المزمنة كما هو الحال في مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، أو في صورة انفجارات وثورات تأتي من دول العالم الثالث والشعوب الفقيرة كما هو الحال في التناقض الشديد بين الشمال والجنوب.
    ويرى أصحاب هذا الرأي أن التطورات التي أعقبت الحرب العراقية الإيرانية وبروز العراق بما لديه من أسلحة وقوات مدربة كقوة إقليمية مسيطرة في الخليج بدأت تثير مخاوف مخططي السياسة الأمريكية منذ عدة شهور، وكان تركها تنمو بدون تحجيمها معناه أن تتحول إلى قوة عالمية قد لا تحترم قواعد اللعبة في المنطقة.
    ومنذ وقت طويل قامت السياسة الأمريكية على مبدأ أساسي هو الحيلولة دون أن تتعاظم قوة إحدى دول الخليج إلى درجة تمكنها من السيطرة على منابع البترول والتحكم في أسعاره وأسواقه...
    فعندما حاولت إيران ذلك في عهد الخميني سلطت عليها العراق فأنهكتها وأوشكت أن تجهز عليها، والآن عندما ظن الرئيس العراقي أنه قادر على ذلك كان لا بد من تدخل السياسة الأمريكية لإعادة الأمور إلى نصابها... وبالأخص بعدما طالب بانسحاب الوحدات البحرية الأمريكية من مياه الخليج، وهدد بضرب إسرائيل بالصواريخ، ثم استدار إلى الكويت والإمارات ليرغمهما على تنازلات محدودة في أسعار البترول وديون الحرب التي على العراق لدول الخليج، ولكن هل معنى ذلك: أن أمريكا هي التي دعت صدام إلى غزو الكويت؟
    النظرية التي تقول: إن أمريكا عرفت ولم تُبلِّغ، أو أنها قرأت بعض المؤشرات ولم تتحرك لوقف عدوان صدام ضد الكويت... قد تكون صحيحة في بعض جوانبها، ولكن هذا لا يعني أن أمريكا قد خططت بالاشتراك مع الرئيس العراقي لغزو الكويت، أو أن الأهداف الأمريكية والأهداف العراقية قد التقت عند نقطة واحدة، أو أن صدام عميل أمريكي ينفذ عن علم واقتناع خطة شيطانية كبرى، مثل هذه الاستنتاجات قد تبدو من نسج الخيال.
    ولكنها لا تبعد كثيراً عن الواقع إذا عرفنا أن لدى الدول الكبرى وسائلها التي تمكنها من دفع بعض القيادات التي يستولي عليها الغرور وجنون العظمة إلى ارتكاب أخطاء قاتلة، والوقوع في مصيدة لا فكاك منها والسير في الطريق الذي رسمت له دون أن يدري... عن طريق إمداده بمعلومات موثقة ولكنها خاطئة ومسايرة في خطوط وتدبيرات تدفعه إلى مزيد من الشطط وسوء التقدير تقترب به من الهاوية دون أن يدري. اهـ.
    6] ونشرت بعض الصحف كثيراً مما يؤيد ما سبق، رأينا الاستغناء عنه ولكن نشير إلى أحدها والعهدة فيه على راويته وهي "فضيلة الصباح" من الأسرة الحاكمة الكويتية تقول:
    ''عندما كنت طالبة بإحدى جامعات سويسرا كان ذلك على ما أذكره قبل سقوط شاه إيران... أعطاني أحد زملائي كتاباً مقطوعاً غلافه لأن "سي، آي، إيه" المخابرات الأمريكية تبحث عنه، وقامت بتمشيط سويسرا في 24 ساعة لإعدام أي نسخة، وقد أعطاني فرصة لقراءته في أربع ساعات. كان الكتاب يتعرض لما يحدث في نهاية هذا القرن وكاتبه كان أحد أعضاء البنتاجون، وكان عضواً في وفد القمة بين الرئيس الأمريكي والسوفيتي في ذلك الوقت... وفي الفصل الأخير من الكتاب وجدت هناك خريطة وليس عليها أي أثر للكويت على الإطلاق...وشاهدت دولة صغيرة في الشمال وهي مناطق البترول في العبيدات مكتوب عليها الدولة البترولية العالمية، وأعلامها أعلام الأمم المتحدة.
    لقد كانت هذه الرؤية مستقبلية لنهاية القرن متفق عليها بألاَّ يكون وجود لدولة الكويت... ويبدو أنه كان يتم البحث عن عميل ليقوم بهذا المخطط ويتم السيناريو... وقد كان '' مجلة صباح الخير بتاريخ 30/2/ 1411هـ.
    7] وأخيراً نذكر مقالة للسفير الأمريكي السابق في السعودية -جيمس أكينـز- نشرتها صحيفة -لوس أنجلوس تايمز بعنوان (الآن ومع تواجد القوات الأمريكية حول حقول النفط، هل ندع الفرصة تفوتنا؟..)
    بدت هذه الفكرة جنونية في عام 1975م ولكن إحياءها يمكن أن يكون في تجاوز الترحاب الذي تلقيناه من الملك فهد.
    يقول:
    ''في شهر يناير من عام 1975م نشرت صحيفة كومنتري -وهي نشرة يصدرها المحافظون الجدد- مقالة تقترح غزو المملكة العربية السعودية وذلك كحل لمشكلة الغرب الأزلية، ولمشاكل الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية، وتلت تلك المقالة العديد من المقالات الثائرة والتي اقترحت الاستيلاء على حقول النفط في شبه الجزيرة العربية ابتداءً بـالكويت وانتهاءً بـدبي "الإمارات"، ومن ثم استغلال النفط إلى آخره، وفي غضون 50 عاماً أو ما شابه ذلك تعود الممتلكات لمالكيها الأصليين، أي: بعد استنزاف النفط كله!!''
    ثم يقول:
    ''وبالرغم من ذلك فهناك البعض في حكومة بوش والذين سوف يشيرون إلى أن الوقت ملائم الآن أكثر مما كان عليه الحال في عام 1975م وذلك على الأقل على مستوى احتلال عسكري لحقول النفط السعودية'' .
    ويقول:
    ''إنني لست المراقب الوحيد والذي يملك دراية واسعة في هذا الميدان، ولديه القناعة بأن صدام حسين لم يكن ينوي مهاجمة المملكة العربية السعودية في أوائل الشهر الماضي، إن ذلك أمر غير منطقي... ومع ذلك فلقد قام وزير الدفاع الأمريكي -ديك تشيني- بإقناع الملك فهد بأن حدوث مثل ذلك الهجوم على المملكة العربية السعودية أمر وشيك الوقوع، ولدرجة أنه استطاع أن يقنع المملكة العربية بالتخلي عن سياسة معارضة وجود قوات عسكرية أمريكية، إنني أشك في أن الملك فهد كان يتصور وجود - 100.000- من الجنود الأمريكين، وربما ضعف هذا العدد، متواجدين على أرض المملكة العربية السعودية "ولمدة غير محدودة" .
    ''ولقد اتسعت مظلة الحماية الأمريكية منذ ذلك الحين لتشمل دولة الإمارات العربية المتحدة، وإذا لم يتم التخلص من صدام حسين، فإنه سيمثل خطراً محتملاً على المملكة العربية السعودية، وخطراً مؤكداً على أسرة آل سعود، وذلك إذا ما انسحبت القوات الأمريكية من المنطقة.
    لذلك فمن المحتمل أن يكون وجود القوات الأمريكية في المنطقة أمراً مرغوباً فيه، ولفترة غير محدودة، وسواء كان ذلك الوضع مرضياً للجيش والشعب السعودي فإن ذلك يظل أمراً آخر.
    إن هؤلاء الذين عملوا والذين لا يعملون حالياً في الحكومة الأمريكية ومن ضمنهم كيسنجر الذي كان جاداً في موضوع احتلال آبار النفط في عام 1975م، لا بد أنهم يرون الآن عدم ترك هذه المصادر غير العادية بعد أن أصبحت تحت سيطرتنا''.
    ثم يقول:
    ''وهناك خطة أكثر خيالية تتمثل في تدويل جميع الدول العربية المنتجة للنفط، وبذلك يمكن تصحيح أحد الأخطاء الإلهية والمتمثلة في وضع هذه الثروة الثمينة في مكان لا تستحقه!!'' قاتله الله وأخزاه ..