المادة    
قال شيخ الإسلام: "وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: {أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود، فقال: يا محمد! إن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيهزهن، فيقول: أنا الملك! أنا الملك! قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))[الزمر:67]} ففي هذه الآية والأحاديث الصحيحة المفسرة لها، المستفيضة التي اتفق أهل العلم على صحتها وتلقيها بالقبول: ما يبين أن السماوات والأرض وما بينهما بالنسبة إلى عظمة الله تعالى أصغر من أن تكون مع قبضه لها، إلا كالشيء الصغير في يد أحدنا.. حتى يدحوها كما تدحى الكرة".
ومما يوضح لنا مسألة علو الله سبحانه وتعالى على خلقه: هذا الكلام الذي قاله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ أن العرش والسماوات والأرض وكل مخلوقاته سبحانه وتعالى، هي بالنسبة إليه في غاية الصغر.
فالذين يقولون: يلزم من إثبات العلو أن يكون في جهة، وإذا كان في جهة خلت منه باقي الجهات، فلا نثبت العلو إذن، يقال لهم: إنما دخل عليكم هذا لجهلكم وقصور علمكم، وظنكم بالله تعالى غير الحق، ولأنكم لم تقدروا الله تعالى حق قدره، والله تبارك وتعالى أعظم مما ظننتموه به وأجل سبحانه وتعالى.
ثم نقل شيخ الإسلام رحمه الله كلام الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، الذي كان نظيراً للإمام مالك رحمه الله تعالى في علمه وفقهه، وقد رد الإمام ابن الماجشون بكلامه هذا على منكري الصفات، ومن جملة كلامه قوله: "فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه، وما تحيط به قبضته، إلا صغر نظيرها منهم عندهم؛ وأن ذلك الذي ألقي في روعهم وخلق على معرفته قلوبهم؛ فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه، ولم نتكلف منه علم ما سواه، لا هذا ولا هذا، لا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف" وهذا من كمال فقه هذا الإمام رحمه الله.
ثم يقول شيخ الإسلام: "وإذا كان كذلك، فإذا قدر أن المخلوقات كالكرة، وهذا قبضه لها ورميه بها، وإنما بيَّن لنا من عظمته وصف المخلوقات بالنسبة إليه ما يعقل نظيره منا" فنحن لم نر العرش، ولم نر الكرسي، ولم نعلم سعة وعظمة السماوات، ولكن قرَّبها الله تبارك وتعالى لنا، وقربها الرسول صلى الله عليه وسلم، بنظير ما نعقل، وبقدر ما نستطيع أن نتخيل أو نتصور؛ لنعرف بذلك عظمة الله سبحانه وتعالى، وهو أعظم من ذلك بكثير.
يقول: "ثم الذي في القرآن والحديث يبين أنه إن شاء قبضها وفعل بها ما ذكر، كما يفعل ذلك في يوم القيامة، وإن شاء لم يفعل ذلك، فهو قادر على أن يقبضها ويدحوها كالكرة، وفي ذلك من الإحاطة بها ما لا يخفى، وإن شاء لم يفعل ذلك" إن شاء قبضها، وإن شاء دحاها، وإن شاء لم يقبضها ولم يدحها، فهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء.
يقول: "وبكل حال فهو مباين لها ليس بمحايث لها" ولذلك عندما أراد علماء السنة أن يعرِّفوا صفة العلو لله قالوا: إنه سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه بذاته، بائن من خلقه.
  1. توجيه قول أهل السنة: (مستوٍ على عرشه بذاته بائن من خلقه)