المادة    
قال المصنف:
[الثاني عشر: التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل] أ.هـ .
الشرح:
النزول من صفات الله تعالى التي أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في حديث متواتر -كما سنرى- وأثبتها الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وكذلك التابعون من بعدهم، حتى ظهر أهل البدع، فكان من أعظم ما جادلوا فيه إثبات النزول لله تبارك وتعالى، وقد رأيت أن أختار نموذجاً من كلام السلف الصالح في إثبات النزول مع شرح حديثه، وهو ما ذكره الحافظ الإمام الجليل أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله تعالى- وهو عالم أهل المغرب في زمانه الذي شرح الموطأ للإمام مالك رحمه الله بكتابه التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، وهو كتاب عظيم، جليل القدر في الحديث والفقه والآثار، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاب مفرد في شرح حديث النزول سنتعرض له -إن شاء الله- فيما بعد، لكننا أحببنا هنا أن نقيم الحجة على من ينكر النزول من كلام إمام من الأئمة غير ابن تيمية رحمه الله،
وسوف نقدم كلام الإمام الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:
أولاً: لتقدمه في الزمن على شيخ الإسلام .
ثانياً: لنرد بذلك على المتعصبين؛ لأن معظم المالكية اليوم أشاعرة إلا من كان على السنة، وهذا الإمام العظيم الشهير الحافظ أبو عمر بن عبد البر -وهو من المالكية- قد شرح كتاب الإمام مالك الموطأ، فكل من كان مالكياً بحق، وكل من انتسب للإمام مالك رحمه الله تعالى بحق، فإنه لا يجوز له العدول عما كان عليه الإمام مالك وما كان عليه العلماء من أتباعه الذين كانوا على عقيدة السلف الصالح، ومنهم على سبيل المثال الإمام ابن أبي زيد القيرواني الذي تعرضنا لذكره أكثر من مرة في إثبات العلو.
ذكر الإمام ابن عبد البر رحمه الله في كتابه التمهيد (7/128) حديث النزول فقال: "حديث ثامن لـابن شهاب عن أبي سلمة يشارك فيه أبا سلمة أبو عبد الله الأغر، واسمه سلمان ثقة رضي".
ثم ذكر السند فقال: "مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر جميعاً عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟! من يسألني فأعطيه؟! من يستغفرني فأغفر له؟! }.
ثم قال: "هذا حديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته".
وممن رواه أيضاً الإمامان الجليلان: البخاري ومسلم، بل ورد في معظم كتب السنة.
وبعد أن ذكر رحمه الله تعالى بعض طرقه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات، كما قالت الجماعة ".
وهذه العبارات من الإمام ابن عبد البر كأنما يشرح بها عبارة الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى التي بين أيدينا، ففيها إثبات الفوقية والعلو بألفاظ لا يمكن أن تحتمل التأويل، وكأن الإمام الحافظ ابن عبد البر يعلم أن بعض المالكية يؤولون كلام أئمتهم، وكما أولوا كلام مالك وكلام ابن أبي زيد، فقد يؤولون كلامه أيضاً، ولهذا جاء رحمه الله بهذه العبارة التي لا يمكن أن تحتمل التأويل "أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات"، ثم قال بعد ذلك: "كما قالت الجماعة " وكلمة (الجماعة ) تطلق في مقابل الفرق فيقال: قال أهل السنة أو قالت الجماعة أو قال أهل السنة والجماعة، فالمقصود بهم الذين لم يتفرقوا في الدين، فـالجماعة في مقابلة الفرق، ولهذا قال -رحمه الله- بعد ذلك: "وهو من حجتهم -أي الجماعة - على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش" والجهمية هم شر منكري الصفات، فهذا المذهب مذهبهم، وإن قال به من زعم أنه أشعري، أو أنه من أهل السنة، فالمذهب للجهمية والمعتزلة، فكل من ينتسب إلى السنة، فهو بلا شك يعادي المعتزلة؛ فلا يجرؤ أحد أن ينتسب إلى السنة، ويقول: أنا من أهل السنة ثم لا يعادي المعتزلة؛ فضلاً عن الجهمية؛ فإن الوعيد فيهم أشد، وكلام السلف فيهم أعظم، وسيأتي بعضه -إن شاء الله- في كلام الحافظ ابن عبد البر مع ما قد أسلفنا في الكلام عنهم من قبل.
  1. أدلة ابن عبد البر على إثبات صفة العلو

  2. رد ابن عبد البر على المعتزلة في تأويل الاستواء

  3. معنى الاستواء عند العرب

  4. الرد على من قال: إن الله في كل مكان