المادة    
ذكر ابن القيم بعد ذلك هذا الأثر العظيم الذي رواه أبو شامة رحمه الله عن مبارك عن الحسن البصري، وهو أثر مهم؛ لأن كلام الحسن هنا بالذات له قيمته وله دلالته، وهو في صفحة (70) من كتاب إغاثة اللهفان، وهذا مما نقله ابن أبي العز لأهميته؛ فلذلك نورده ونشرحه.
يقول الحسن رحمه الله: [[السنة -والذي لا إله إلاّ هو- بين الغالي والجافي؛ فاصبروا عليها رحمكم الله..! فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم، حتى لقوا ربهم فكذلك فكونوا]] في بعض النسخ: (مع أهل الإتراف)، في إترافهم وفي بعضها: (مع أهل الإسراف في إسرافهم) والمعنى متقارب.
قوله: "السنة -والذي لا إله إلاَّ هو- بين الغالي والجافي"، هذا توجيه عظيم ووصية ونصيحة قيمة من الحسن البصري رحمه الله.
ولو نظرنا إلى الواقع الذي قال فيه هذا الإمام من أئمة السنة هذه الكلمة، لتبينت لنا دلالتها العظمى، فـالحسن رحمه الله تعالى كان إماماً من أئمة أهل السنة والجماعة على رأس المائة الأولى، أي: بعد أن ظهرت الفتن.
ومن مظاهر الفتن عموماً التي ظهرت في ذلك الزمن انحراف الناس -ولا سيما في البصرة التي كان الحسن رحمه الله فيها- إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: أهل الغلو.
والاتجاه الآخر: أهل الجفاء.