المادة    
قال الله تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[النساء:65].
انتظمت هذه الآية ثلاثة مقامات:
1- مقام الإسلام بالتحكيم: ومن لم يحكم فليس بمسلم.
2- مقام الإيمان: بأن لا يجدوا في أنفسهم حرجاً، فينتفي الحرج عنهم ويكونوا مؤمنين.
3- مقام الإحسان: بأن يسلم تسليماً مطلقاً، كما قال الصديق رضي الله عنه لما قيل له: إن محمداً يزعم أنه أسري به في ليلة إلى بيت المقدس، وصعد إلى السماء، فقال: [[إن كان قاله فقد صدق]] فالصديق يصدق قبل أن يسمعه، ونحن يجب علينا أن نقول: إذا صح الحديث آمنا وصدقنا وإن خالف كلام إمام أو شيخ.. فهذا كله لا اعتبار له إذا صح شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صحيح من غير شذوذ ولا علة وفق قواعد أهل الحديث، إلا أن أهل الرأي والهوى والبدع قالوا في بعض أدلة الاعتقاد: هذا يستلزم التشبيه وهذا يستلزم الجبر، أو غير ذلك، وهذا لا اعتبار له أبداً، بل نسلم تسليماً مطلقاً، كما هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورحم الله الشيخ محمد بن إبراهيم حيث أورد مسألة التحكيم في كتابه الصغير حجماً الكبير منفعة وعلماً ومعنىً، وهو كتاب تحكيم القوانين، حيث جعل مسألة تحكيم القوانين واتباع غير شرع الله من باب نقض شهادة أن محمداً رسول الله، واتفق كلامه مع كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى- هنا حيث يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يكون هو المطاع المتبع في كل أمر؛ بتسليم وانقياد، من غير منازعة، ولا معارضة، ولا مدافعة ولا ممانعةً" كما ذكر الحافظ رحمه الله في تفسير هذه الآية.
قال ابن القيم رحمه الله: "قال بعض السلف قوله: ما من فعلة -وإن صغرت- إلا وينشر لها ديوانان: لم؟ وكيف؟ أي: لم فعلت؟! وكيف فعلت؟!
فالأول سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه: هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل، وغرض من أغراض الدنيا في محبة المدح من الناس أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل أو دفع مكروه عاجل"؟
أهذا الباعث لك على الطاعة والعمل؟! "أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى ؟ وابتغاء الوسيلة إليه.
ومحل هذا السؤال: أنه: هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك؟ أم فعلته لحظك وهواك؟!
والثاني: سؤال عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك التعبد، أي: هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولي أم كان عملاً لم أشرعه ولم أرضه؟!
فالأول: سؤال عن الإخلاص، والثاني: عن المتابعة". ولابد للعمل من شرطين: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ "فإن الله سبحانه لا يقبل عملاً إلا بهما.
فطريق التخلص من السؤال الأول بتجريد الإخلاص، وطريق التخلص من السؤال الثاني بتحقيق المتابعة وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص، وهوى يعارض الاتباع.
فهذا حقيقة سلامة القلب الذي ضمنت له النجاة والسعادة".
انتهى كلام ابن القيم رحمة الله تعالى عليه.
جعلنا الله وإياكم من أصحاب القلوب الحية التي تنجو يوم القيامة؛ (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء:88-89].