المادة    
قال ابن العربي: "الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة" هذا الكلام عن ابن العربي له شأن آخر في أبواب العلم، وهو متعلق بما يشتغل به العلماء من أبواب العلم وما يبحثون عنه.
ومعلومٌ أن منهج الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم والسلف الصالح عموماً: أنهم كانوا لا يفتون إلا فيما وقع، فقد ورد عن بعضهم أنه كان يسأل السائل بالله: هل وقع ذلك أم تسألون عن افتراض؟
لأن بعض الناس يسأل مثلاً في الحج فيقول: جئت فتجاوزت الميقات فأحرمت، فماذا عليَّ؟ فيقال له: كذا وكذا. فيقول: أرأيت لو أني ذهبت لإحرامي وجئت؟ أرأيت أرأيت، فيثير إشكالاً لم يقع وربما لن يقع مطلقاً، ويثير كثيراً من الأسئلة، حتى إن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عمر فسأله وقال: أرأيت لو أن... فقال له:: [[دع أرأيت في اليمن]]، فكأن الرجل من أهل اليمن، فقال له: دعها في اليمن، لا نريد أرأيت.
فديننا دين واقعية ودين عمل وامتثال، وليس دين افتراضات، ولكن -مع الأسف- لقد سلك المتأخرون عكس المنهج الذي سلكه السلف الصالح فأصبحوا يفترضون ويبحثون في أمور لم تقع، وبذلك ضيعوا ما وقع في الحقيقة، ولأنه لما كثر البحث فيما لم يقع، ضاع إعلام الناس بما وقع من الأمور، وما استجد من القضايا، وما هو حكم الله فيها، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك كثير من الحق؛ لأن أصحاب هذا الشأن انصرفوا عنه للافتراضات والخيالات، حتى إنهم في أصول الفقه مثلاً -ونحن لا نعترض على أصول الفقه، فهو علم عظيم، ولا يعترض عليه أحد من العلماء، أو طلاب العلم، لكن الاعتراض على التفريعات من الفقه أو الأصول أو غيره- يأتون بقاعدة أصولية ليس لها إلا مثال واحد فقط، فيجعلونها قاعدة أصولية، ويقولون: مثالها كذا، وليس لها إلا هذا المثال، وأشد من ذلك أن يؤتى بقواعد ليس لها مثال مطلقاً.. وهكذا.
  1. أهل الرأي والمسائل المفترضة

  2. من الآثار السيئة للافتراضات الفقهية البعيدة