المادة    
نحن في زمان قد ابتلينا فيه بما يسمى العلم أو العقل أو الحضارة، فنرى بعض الدعاة يدعون إلى الله بنفسية المنهزم الضعيف، فلا يمكن أن يشرح للناس أمراً من أمور الدين إلا ويقول: هذا الشيء فيه خير، ولا يتنافى مع الحضارة والعلم والتقدم، وكأنه يبرر ويدافع عن أحكام الله سبحانه وتعالى، وبعضهم يقول: هذا الحكم الشرعي مما يراه علماء الاجتماع والنفس والقانون والاقتصاد وغيرهم، ولو فرضنا أنهم لم يروه ولم يتوافق مع أقوالهم، فماذا نفعل؟! كثير من علماء الاقتصاد في الغرب يقولون: إن الربا ضار بالاقتصاد، فلو فرضنا أننا وافقنا وقلنا: الربا حرام، وتركنا الربا؛ لأن الغربيين يرون أنه ضار بالاقتصاد ويوافقوننا على تحريمه، فماذا سنفعل في المسائل التي لن يوافقونا عليها؟! فإن هناك مسائل لن يوافقونا عليها أبداً؛ مثل مسألة الاختلاط، ولو اقتنع الغربي بكل شيء، فإنه لن يقتنع بأن الاختلاط حرام، إلا إذا أسلم، أما قبل أن يسلم فإنه لن يقتنع؛ لأنه لا يتصور أمة نساؤها في البيوت ورجالها هم من يقومون بالأعمال فقط، وكذلك تحريم الزنا، فإنهم لا يتصورونه، وهاهم يعقدون المؤتمرات تلو المؤتمرات من أجل مكافحة الإيدز، ولن يخطر ببالهم أن يعقدوا مؤتمراً من أجل ترك الفاحشة. أما نحن فإننا نعتقد حرمة الزنا، ونعلم حكمة الله في هذا التحريم، وأنه يجب علينا أن ننقاد لديننا حتى ولو لم يكن هناك مرض ولا إيدز. لكن الشاهد: أنا لو جعلنا ديننا عرضة لموافقة هؤلاء لضعنا وخسرنا، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم أنهم فرحوا بما عندهم من العلم، وعارضوا دين الله به، ولم يقبلوا ما جاء به الرسل بناءً على عقولهم، فلا يمكن لإنسان غربي -على سبيل المثال- اليوم أن يقبل أحكام الإسلام، ويعتقد أن هناك حكماً أفضل من الديمقراطية أبداً؛ لذلك فهو يظن أن الديمقراطية هي أعظم ما يمكن أن يصل إليها الإنسان. والإنسان الغربي ما وصل إلى الديمقراطية إلا بعد قرون من الكفاح، فهل من المعقول أن تأتي أنت وتقول له: حكم الإسلام أفضل؟! لا يمكن أن يقبل منك ذلك أبداً، ولو جعلنا ديننا عرضة لآرائهم، لاضطررنا أن نقول -كما يقول البعض-: الإسلام دين ديمقراطي؛ حتى يقبلوه ويعرفوا أن فيه حكمة، ونقول: الديمقراطية الإسلامية، والشورى ما هي إلا الديمقراطية. ولو عرضنا ديننا كذلك فإننا أولاً: نكون غير مؤمنين به، وثانياً: بهذا لن نجعل الغربي يدخل في دين الإسلام؛ بل غاية ما ينتج عن ذلك أن يقر بأن الإسلام لا يخالف ما هو عليه من حضارة، فلا يترتب على هذا أن يؤمن به، لكن إذا بينت له أنه يعيش في شقاء وضنك وجاهلية، وأن الإسلام يرتفع به إلى النور والعلم والمعرفة والحضارة؛ لربما آمن وأسلم. وكثيراً ما نسمع من يقول: إن الإسلام يتلاءم مع الحضارة ويواكبها ولا يتعارض معها، وإن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان! فهل المسألة مسألة صلاحية وعدم صلاحية؟! إن هذا دين وعبودية يجب أن نعبد الله بها، فمن الذي قال: إنه بعد عشرة قرون ينتهي حكم الله، ويؤخذ الحكم من الطواغيت، وتنتهي العبودية لله؟! هذا ناتج عن أن القلوب غير منقادة ولا مذعنة ولا مستسلمة لأمر الله؛ فيكبر عليها ويصعب أن تترك ما ألفته أو اعتادته من كلام أولئك الأقوام الذين تفضلهم وتعجب بهم.. لكي تطيع ربها، وتتبع سنة نبيها صلى الله عليه وسلم. إن الغربيين يرون أن المسلم حتى في مظهره وسمته وأدبه لا يجب أن يكون كذلك، وهو الشيء الذي يختص به لذاته، هذا مع إيمانهم بحرية الفرد كما يقولون، فأين الحرية الشخصية التي يزعمون؟! ولو فعل ذلك أحد على غير سبيل التدين لما أنكر عليه، فلو أن يهودياً أو أجنبياً لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، أعفى لحيته، فلن ينكر عليه أحد؛ بل لا ينكرون عليه عندما يخرج إلى الشارع وعورته ظاهرة، ولو أن مسلماً رفع إزاره أو ثوبه إلى نصف ساقه، فسوف ينكرون عليه. إن هذا ناتج عن عدم الانقياد والإذعان لحكم الله وأمره، وسواء كان هذا في أصول الدين، أو في الأحكام، أو في الآداب، أو في المظاهر، فهو من الرضا بأقوال شياطين الإنس والجن، والناس يظنون أنهم بذلك يوافقون الحضارة، ويتواءمون مع العقل، ويسايرون الحرية! وهم في الحقيقة يسايرون الأوامر الإبليسية، والانحطاط والرذيلة، ويترفعون ويستكبرون عن شرع الله سبحانه وتعالى. ويجب أن نعلم أن الذي ينقاد لأمر الله ويسلم له، لا يخسر كخسارة من لا ينقاد لأمر الله ولا يسلم له، والضريبة التي يدفعها من يعرض عن أمر الله أضعاف أضعاف ما يقدمه المسلم من تضحية نتيجة تمسكه بأمر الله، وهذا من رحمة الله لأوليائه المنقادين لأوامره وشرعه. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المسلمين المؤمنين المنقادين لأوامره المذعنين له سبحانه وتعالى، المحكمين له ولدينه ولشرعه ظاهراً وباطناً؛ إنه سميع مجيب.