قال
الطحاوي رحمه الله: "كما قال تعالى في كتابه: ((
لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ))[الأنبياء:23] فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين". وهذا هو الذي يقوله الظالمون الملحدون الذين رد الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله: ((
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ))[الحجر:85]، هؤلاء هم الذين يعترضون على أفعال الله سبحانه وتعالى، وقد يعترضون على أحكام الله وقدره.. فأبواب الاعتراض كثيرة.
فالاعتراض إذا كان على فعل الله أو حكمه أو قدره على جهة الرد للحكم وعلى جهة الاستكبار، وبيان أنه لا حكمة من فعل الله؛ فهذا يكون رداً للكتاب، ويكون كفراً مخرجاً لصاحبه من الدين؛ لأنه منافٍ للعبودية التي شرعها الله تبارك وتعالى للعالمين.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك: اعتراض إبليس اللعين -أعاذنا الله منه ومن شره- فإن الله سبحانه وتعالى أمره أن يسجد، فاعترض وأبى وأخذ يسأل ويقول: ((
أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا))[الإسراء:61] وبين إبليس علة عصيانه لربه وكأنه يصحح خطأً وقع فيه ربه عز وجل: ((
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ))[الأعراف:12]، وفي هذا رد لأمر الله سبحانه وتعالى، ونفي لحكمة الله، وهذا يتنافى مع مقام العبودية، وفاعل ذلك يكون كافراً كما كفر إبليس اللعين.. وسيأتي إيضاح هذا -إن شاء الله- فيما بعد.
وقد أردنا هنا أن نلم بأطراف الموضوع حتى نعرف لماذا قال المصنف: "ولا شك في تكفير من رد حكم الكتاب، ولكن من تأول حكم الكتاب لشبهة عرضت له بين له الصواب ليرجع إليه"، فمن رد حكم الكتاب لا على سبيل الاعتراض، ولكن على سبيل التأويل، كمن كانت لديه شبهة يتأول بها الكتاب، أي يتأول بها الدليل، فإن هذا لا يكفر إلا بعد أن تكشف له شبهته ويبين له الدليل، وتقام عليه الحجة.