المادة    
  1. أدلة إثبات العلم

    قال الإمام الطّّحاويّ رحمه الله تعالى:
    [وقد علم الله تَعَالَى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار، جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه، وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه].
    قَالَ المُصنِّفُ رحمه الله تعالى :
    [قال الله تَعَالَى :((إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))[الأنفال:75]((وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً))[الأحزاب:40] فالله تَعَالَى موصوف بأنه بكل شيء عليم أزلا وأبداً، لم يتقدم علمه بالأشياء جهالة ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً))[مريم:64] وعن عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: {كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس رأسه فجعل ينكت بمخصرته ثُمَّ قَالَ: ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنَّار وإلا قد كُتبت شقية أو سعيدة، قَالَ: فَقَالَ رجل: يا رَسُول الله أفلا نمكث عَلَى كتابنا وندع العمل؟ فقَالَ: من كَانَ من أهل السعادة فسيصير إِلَى عمل أهل السعادة، ومن كَانَ من أهل الشقاوة فسيصير إِلَى عمل أهل الشقاوة، ثُمَّ قَالَ: اعملوا فكل ميسَّر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثُمَّ قرأ: ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى))[الليل:5-10]} خرجاه في الصحيحين] اهـ.

    الشرح :
    استدل المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إثبات العلم لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ببعض الآيات التي تدل عَلَى أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليم بكل شيء أزلاً وأبداً، فقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))[الأنفال:75] وقوله تعالى: ((وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) [الأحزاب:40].
    فكلمة "شيء" عامة تطلق عَلَى الكبير والصغير فإذا قلنا: "أي شيء"، فهم منه أن الكلمة هي أعم الكلمات، ((قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ))[الأنعام:19]، فالله تعالى يطلق عليه شيء، والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول: ((إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) ويقول:
    ((وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يخفى عَلَى علمه أدنى ما يمكن أن يوجد في حيز الوجود.
  2. الفرق بين الأزل والأبد

    يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [فالله تَعَالَى موصوف بأنه بكل شيء عليم أزلاً وأبداً] الأزل والأبد كلمتان متقابلتان تطلقان عَلَى أمرين متقابلين، فالأزل يطلق عَلَى ما ليس له ماضي ولا بداية له، والأبد يطلق عَلَى ما لا نهاية له.
    فلا بداية لعلم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلم يكن الله عَزَّ وَجَلَّ في وقت من الأوقات جاهلاً بأي شيء كَانَ أو سيكون، ثُمَّ تجدد أو حصل أو بدا له علم في هذا الشيء، وكذلك لا يأتي عليه جل وعلا وقت يكون فيه لا يعلم بعض الأشياء، أو ينسى بعض الأشياء، ثُمَّ يقول المصنف: [لم يتقدم علمه بالأشياء جهالة] وكلمة "علمه" هنا مفعول و"جهالة" فاعل، فالجهالة لم تتقدم علم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، بل هو عليم منذ الأزل وإلى ما لا نهاية كما قال تعالى: ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)) [مريم:64] أي: لم ينسَ الله تَعَالَى فيما مضى أمراً أو شيئاً قد علمه، وكذلك لا ينسى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في المستقبل أمراً يعلمه الآن، أو فيما مضى
  3. الجهمية تنفي صفة العلم

    الذين أنكروا صفة العلم لله تَعَالَى هم الجهمية الذي أنكروا جميع الأسماء والصفات، وهَؤُلاءِ أخرجهم بعض السلف رحمهم الله كـعبد الله بن المبارك والفضيل بن عياض وأمثالهما من أجلة السلف من فرق الأمة، وَقَالُوا: هذه ليست من الاثنتين والسبعين فرقة، بل تلحق بفرق اليهود والنَّصَارَى والْمُشْرِكِينَ، لأنهم لم يثبتوا لله تَعَالَى اسماً ولا صفة.
    وكذلك لم يمار في هذه المسألة ممن ينتسب إِلَى الإسلام إلا الفلاسفة الذين تفلسفوا في مسألة العلم وَقَالُوا: إن الله تَعَالَى يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عما يصفون- بل هو بكل شيء عليم ، وأما من أنكر جميع الصفات كـالجهمية ومنها صفة العلم فهَؤُلاءِ خارجون عن جميع الملل، وهناك من هو شر منهم وهم غلاة الباطنية..
  4. درجات المنكرين للصفات

    تقدم في أول هذا الكتاب بيان درجات المنكرين للصفات، ولو رتبناهم بحسب قربهم من أهل السنة فنقول: الأشعرية يثبتون الأسماء وبعض الصفات، ثُمَّ أبعد منهم المعتزلة يثبتون الأسماء دون الصفات، ثُمَّ درجة ثالثة الجهمية ينفون الأسماء والصفات إلا أنهم يثبتون الوجود المطلق، ويلحق بهم الباطنية وهم أتباع للفلاسفة وجزء منهم في الحقيقة، فهَؤُلاءِ لا يثبتون حتَّى الوجود، وإنما يثبتون لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المتناقضين، فيقولون: لا نقول إنه موجود، ولا غير موجود، والتعبير الصحيح عنهم أن نقول: إنهم يصفون الله برفع النقيضين، ولا نقول إنهم يثبتون النقيضين، وهَؤُلاءِ لا شك في كفرهم عند جميع الملل.