المادة    
أما قول الشاعر عن المتكلمين:
يحللون بزعم منهم عقدا            وبالذي وضعوه زادت العقد
معناه: أن أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ لا تعقيد عندهم، فمثلاً: في إثبات صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، نأخذ كتاب العقيدة الواسطية لشَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللهُ- فإنه يأتي بالآيات والأحاديث، وأيُّ إنسان عنده فهم يستطيع أن يقرأ هذه الآيات وهذه الأحاديث؛ فيجد أن هذا منهج واضح في إثبات صفات الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ولا شبه فيه ولا شك ولله الحمد، لكن إذا قارنت هذا بـالمغني أو بـالعمد أو بأي كتاب من كتب الكلام قديمها وحديثها تجد الفرق والبون شاسعاً بين منهج يقوم عَلَى الوحي ميسر مقرب واضح، وبين منهج يقوم عَلَى الكلام، والفلسفة والجدال.
فأعقد مسألة في العقيدة وأكثرها إشكالاً -مثلاً مسألة الصفات- وربما تكون أكثر من ذلك وهي مسألة القدر، وإذا سمعت من يتكلم في القدر بمجرد الكلام العقلي، فإنك تسمع كلاماً كثيراً جداً!! إن كَانَ مؤلفاً فقد يكون مجلدات، وإن كَانَ كلاماً فقد يكون ساعات أو محاضرات من أجل إثبات القدر، وهذه حقيقة معروفة.
واسألوا من قرأ في هذه الكتب التي كتبت عَلَى الطريقة الكلامية في القدر، ماذا استفاد بعد أن انتهى من الكتاب؟ يشك، ويحتار كثيراً، ويذهب ليسأل العلماء، ويكون حاله بعد أن قرأ أسوأ من حاله قبل أن يقرأ، وإذا سمع كلاماً من هذا النوع عن القدر، تزداد لديه الشبهات، أن يقول: وفي الأخير يقول: لم أفهم ما قال؛ فيذهب يبحث عند هذا المتكلم أو عند غيره، وتستمر عملية البحث فيصبح في حيرة وقد لا يخرج منها -والعياذ بالله- وقد تنقدح في قلبه شبهات لا تحل أبداً نسأل الله السلامة والعافية.
ولو نظرنا في منهج السلف الصالح في أي كتاب من كتب السلف يمكن أن نثبت كل موضوعات القدر من أولها إِلَى آخرها بعدة آيات وأحاديث، ولا يبقى بعد ذلك شبهة أبداً.