المادة    
إن حقيقة مذهب الكسب عند الأشعرية أنه يؤول كثيراً بهم الأمر إِلَى الجبر ولذلك يقول الخطيب البغدادي صاحب كتاب الفرق بين الفرق: وهو كثير ما يقول قال أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أو أجمع أهل السنة فلا بد أن ننتبه فهو لا يقصد أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ إنما يقصد الكلابية والأشعرية.
ومن ذلك عندما يقول مثلاً: "وأجمع أهل السنة عَلَى سكون الأرض "فلو أتى أحد وقَالَ: عندنا دليل عَلَى أن الأرض تدور، وهذا الموضوع لا يهمنا؛ لأنه لا يدخل في مباحث العقيدة والدين؛ ولكن عندما يأتي شخص وينسب هذا إِلَى أهل السنة فقد يتضح الأمر خلاف ذلك، أو قد يقول به أحد من أهل السنة فيقول المخالف لأهل السنة هذا الإجماع خطأ، والإشكال ليس في أن أهل السنة أجمعوا عَلَى هذا أولاً: الخطأ في أن البغدادي يقول أهل السنة ونحن نظن أنه يقول أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ بينما هو يعني المتكلمين من الكلابية والأشعرية.
ولذا نحذر من أمثال هذه الكتب واصطلاحتها.

والبغدادي هو من أوضح من أراد أن يفسر نظرية الكسب وعلاقتها بالجبر أو القدر فقَالَ: إن فعل العبد مع الله مثلاً: لو أن رجلين يحملان حجراً كبيراً، وأحد الرجلين كبير والآخر صغير، والصغير لا يستطيع أن يحمل الحجر بمفرده لا بد أن يحمله معه الكبير، والكبير يستطيع أن يحمل الحجر بمفرده، فإذا تعاونا وحملا الحجر مع بعض، فإننا لا نكون مخطئين حينما نعاقب الصغير، لأنه أيضاً حمل الحجر وإن كَانَ وحده لا يستطيع حمل الحجر.
فيشبه قدرة الله بقدرة الكبير وقدرة الصغير بقدرة العبد، والقدرتين تتعاون مع بعض في فعل الذنب، فإذا فعل أحد ذنباً فقدرة الله في نظره، كالرجل الكبير وقدرة العبد مثل الصغير، فإذا عاقب الله العبد لم يكن ظالماً، وهذا كما تلاحظون أقرب شيء إِلَى أن العبد مجبور؛ لأن الصغير مادام أنه لا يستطيع وحده أن يحمل أي شيء، وما دام أن الكبير هو وحده الذي حمل فاللوم والعقوبة تتوجه إِلَى الكبير هذا في حكم البشر، وهذا مما يدل عَلَى خطأ هَؤُلاءِ النَّاس وعلى أنهم لم يؤمنوا بالقدر مثل ما آمن به السلف الصالح وهذا الكلام جرّأ الذين ينكرون القدر بأن ينكروه ولا يؤمنوا به نهائياً.

والحديث الذي سنذكره الآن من أعظم الأدلة التي احتج بها الأشعرية عَلَى مذهبهم، ولكن المعتزلة والقدرية تجرؤوا أيما تجرؤ، فأنكروا الحديث الذي هو حديث محاجة آدم وموسى عليهما السلام.