ثُمَّ انتقل المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى بيان تدرج الفرق في إنكار الصفات، واشتراك جميع هذه الفرق في إطلاق التشبيه عَلَى أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
الفرقة الأولى: الغلاة، الذين لا يثبتون أي صفة ولا اسم، وهم القرامطة والفلاسفة، وهم الطبقة الأولى من المنكرين، ولا يثبتون إلا الوجود المطلق، لا صفة له عَلَى الإطلاق، فكل من أثبت شيئاً من صفات هذا الموجود المطلق قالوا: هذا مشبه ومجسم.
الفرقة الثانية: الجهمية، الذين قالوا: هذه الأسماء الموجودة مجازات لا حقيقة لها، فمن قَالَ: إن هذه الأسماء حقيقة، قالوا عنه: مشبه.
الفرقة الثالثة: المعتزلة، الذين قالوا: هذه أسماء وليس له صفة تشتق منها، فمن قَالَ: إن له صفات فهو مشبه.
الفرقة الرابعة: الأشعرية، الذين يثبتون العلم والإرادة والكلام عَلَى معنى يفهمونه ويفسرونه، لكن ينفون الصفات الخبرية -كما يسمونها - مثل اليد، والنزول، والاستواء ونحو ذلك، فهَؤُلاءِ يقولون: من أثبت له اليد، أو النزول، أو الغضب، أو الرضا، أو الضحك، أو العجب ونحو ذلك، فإنه مشبه. وهكذا ...
فكل طائفة من طوائف أهل البدع تسمي من أثبت ما نفته هي مشبهاً، فهي تعتقد أن ما هي عليه هو الحق وغاية التنزيه، وإثبات شيء غيره تشبيه وتجسيم.
ثُمَّ يقول المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: إن كثيراً من الرافضة والمعتزلة أصبحوا يستخدمون هذا الكلام العجيب المضحك، فيقولون: المشبهة هم الذين يثبتون لله يداً وقدماً وساقاً وعيناً ونزولاً وكذا وكذا، يعنون أهل السنة، وهم عَلَى أنواع:
أولاً: الشافعية: وهم ينتسبون إِلَى مُحَمَّد بن إدريس.
ثانياً: الحنفية: وهم طائفة ينتسبون إِلَى أبي حنيفة.
ثالثاً: الحنابلة، وهكذا ...!
فـأهل السنة جميعاً -بما فيهم الأئمة الأربعة ومن هم أعظم منهم- كلهم مشبهة، كما في كتاب الزينة لـأبي حاتم الرازي الرافضي، وهو غير أبي حاتم الإمام المعروف، وكتاب الغلو والفرق الغالية وكلاهما مطبوع متداول.
والقاضي عبد الجبار -وهو كبير المعتزلة- ألف أضخم مؤلفات المعتزلة التي ما تزال موجودة إِلَى اليوم، ومنها " المغني "، وهو أضخم كتب علم الكلام المطبوعة البدعية، وكتاب الأصول الخمسة -أصول المعتزلة الخمسة-، ونشر كتب هَؤُلاءِ المبتدعة والرافضة المعتزلة وأمثالهم من المبتدعة لا تجوز، خاصة في بلاد الْمُسْلِمِينَ، ولا يقَالَ: إنها مراجع ليعلم النَّاس باطلهم، لأنها تنشر محققةً مفهرسةً موضحةً، وتقذف إِلَى الأسواق.
وكثير من النَّاس يعتمدون في كلامهم في التفسير عَلَى كلام عبد الجبار، ومحمـود جار الله الزمخشري صاحب كتاب الكشاف الذي هو مليء بالاعتزاليات، ولأن الاعتقادات الضالة التي فيه، قد يأخذها الإِنسَان وهو لا يريد الضلال، ولكنه يقع في الضلال ويوقع غيره فيه؛ لأنه ينقل عن أمثال هَؤُلاءِ الذين يعتبرون أن أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ والأئمة الأربعة مشبهة.
نعم لا بأس أن يؤخذ عنهم بعض المعاني اللغوية، أو بعض المعاني البلاغية التي لا علاقة لها بالعقيدة، ولا تتعارض معه، لكن أن يرجع إليهم في فهم آيات كتاب الله -وخاصة في فهم آيات الصفات- فهذا لا يجوز أبداً.
قَالَ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: ثُمَّ غلب ذلك -يعني هذه التسمية وهي: "نفي التشبيه"- عند المتأخرين لما غلبت البدع وفشت وانتشرت، لكن علماء السنة -
أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ- قديمهم وحديثهم لا يريدون بنفي التشبيه نفي الصفات، فهم يثبتون الصفات، وإنما ينفون التشبيه الذي هو تشبيه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بخلقه، أو تشبيه خلقه به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.كما في كتب
أهل السنة، ككتاب
السنة لـ
عبد الله بن الإمام أحمد.