اعتراف أئمة علم الكلام بحيرتهم وأن طريقة القرآن أفضل الطرق
ثم ذكر بعد ذلك شواهد لا بأس أن تستحضر للاستشهاد بها على ضلال علماء أهل الكلام، منها: أولاً: ما ورد عن الرازي حيث قال في كتابه الذي صنفه في : أقسام اللذات:
نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذىً ووبال
ويظهر من هذا البيت القلق! فأين الطمأنينة التي كانت عند السلف رضوان الله عليهم؟
ثم يقول:
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
هل هذه فائدة؟! -عياذاً بالله- بل هي خسارة كبرى، والخاسرون هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
ثم يقول:
فكم قد رأينا من رجال ودولة فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها رجال فزالوا والجبال جبال
ثم يقول المصنف: "لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً" هذه وصية مشهورة ذكرها ابن السبكي في طبقات الشافعية على تعصبه للرازي، وللأشعرية ونقله غيره، ولكن لم يعمل بها من سمعها من أتباعه؛ ثم قال: [ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5]... ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ))[فاطر:10]، واقرأ في النفي: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))[الشورى:11] .. ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ))[طه:110] ثم قال: (ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)] ثم ذكر كلام الشهرستاني الذي قال في أول مقدمة كتابه الملل والنحل : [
لعمري لقد طفت المعاهد كلهـا وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائرٍ على ذقن أو قارعاً سن نادم ]
يقول الشهرستاني في مقدمة كتابه: إنه ذهب وطاف في الآفاق، ورأى المشتغلين بالكلام ما بين حائر ونادم. قال: فلذلك وضعت كتابي: الملل والنحل ؛ حتى تذهب الحيرة ويذهب الندم.
فماذا كانت النتيجة:
يحللون بزعم منهم عقداً وبالذي وضعوه زادت العقد
لما كتب الملل والنحل زادت المصائب، فقد نقل فيه كلام الصابئين بالتفصيل، وكلام اليهود، وكلام النصارى، والباطنيين، وعلماء اليونان، وطوائف كثيرة حشدها، فكلما قرأ فيه قارئ ازداد شكاً وضلالاً، فأصبح هو أيضاً من النادمين، ومن القارعين أسنانهم بالخسارة. نسأل الله العفو والعافية.
وكذلك كلام الإمام الجويني المشهور عند وفاته، وشمس الدين الخسروشاهي، وكذلك ابن أبي الحديد المشهور وهو من الأدباء وقد قام بشرح كتاب نهج البلاغة، يقول هنا:
فيك يا أغلوطة الفِكَرِ حار أمري وانقضى عمري
سافرت فيك العقول فما ربحت رأت إلا أذى السفر
فلحى الله الألى زعموا أنك المعروف بالنظر
كذبوا إن الَّذي ذكروا خارج عن قوة البشر