إلى أن قال: "وأما قولهم: لا يجوز السجود لغير الله فيقال لهم: إن قيلت هذه الكلمة على الجملة، فهي كلمة عامة تنفي بعمومها جواز السجود لآدم، وقد دل دليل خاص على أنهم سجدوا له، والعام لا يعارض ما قابله من الخاص" نعم. السجود لا يكون إلا لله، وأمر الله الملائكة أن تسجد لآدم، دليل خاص استثنى هذا السجود من العموم، ويبقى العموم على إطلاقه، ولا معارضة بين العموم وبين الدليل الخاص، فالخاص فيما دل عليه، والعام يبقى على إطلاقه في غير ذلك.
"وثانيها: أن السجود لغير الله حرام علينا وعلى الملائكة، أما الأول فلا دليل، وأما الثاني: فما الحجة فيه؟" فهل الله حرم السجود لغيره مطلقاً، أم علينا، أم على الملائكة؟! إن قالوا: حرمه علينا فلا دليل فيه للمفاضلة بين الملائكة وبين بني آدم، وإن قالوا: الثاني. فما الحجة وقد أمر الله به؟
ولهذا قال: "وثالثها: أنه حرام أمر الله به، أو حرام لم يأمر به، الثاني حق ولا شك فيه، وأما الأول: فكيف يمكن أن يحرم بعد أن أمر الله تعالى به؟" ما أمر الله به لم يعد حراماً بل جائز.
"ورابعها: أبو يوسف وإخوته خروا له سجداً، ويقال: كانت تحيتهم فكيف يقال: إن السجود حرام مطلقاً؟ -إلى أن قال :- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لعظم حقه عليها} ومعلوم أنه لم يقل: لو كنت آمراً أحداً أن يعبد أحداً" أي: فلا يمكن أن يأذن الرسول لأحد بأن يعبد غير الله؛ لأن الرسل دعوتهم واحدة وهي: ((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ))[الأعراف:59].. ((أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ))[هود:2]... ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ))[الأنبياء:25] أي: وحّدوني، ولهذا قالت بعض الأمم: ((لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا))[الأعراف:70].