رد المخالفين على دليل تفضيل الأنبياء على الملائكة
أجاب المخالفون على المستدلين بسجود الملائكة لآدم في تفضيل الأنبياء على الملائكة فقالوا: "إن سجود الملائكة كان امتثالاً لأمر ربهم" ولأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يقتضي ذلك التفضيل؛ لأنهم إنما سجدوا امتثالاً وانقياداً وطاعة له سبحانه، وتكريماً لآدم وتعظيماً، وإظهاراً لما فيه من الفضل، كما ذكرنا في القاعدة السابقة، أن الأدلة من الجانبين، إنما تدل على الفضل لا على الأفضلية، ولا شك أن للملائكة وصالحي بني آدم فضلاً عظيماً، لكن الإشكال هو: هل يدل هذا على أن صالحي البشر أفضل من الملائكة أو العكس؟!
قالوا: إذاً! لا يلزم من سجود الملائكة لآدم أن يكون آدم أفضل، وإنما يدل على أن له فضلاً، فالله يريد أن يظهر فضل آدم، فأمر الملائكة بالسجود له، فسجدت انقياداً له وطاعة، لا إقراراً بأنه خير وأفضل، ولم يرد ذلك من كلام الملائكة، لكن جاء على لسان إبليس أنه خير من آدم.
يقول: "كما لم يلزم من سجود يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام: تفضيل ابنه عليه" أي: كما في قوله تعالى: ((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا))[يوسف:100].
فدلت الآية على أن يعقوب والد يوسف وإخوته سجدوا له، ومعلوم -وبلاشك- أن أباه أفضل منه، فذلك لا يستلزم أن يكون المسجود له أفضل من الساجد، بل ربما سجد الفاضل للمفضول، والمفضول للفاضل.
وقالوا أيضاً: "لا تفضيل الكعبة على بني آدم بسجودهم إليها امتثالاً لأمر ربهم" هكذا أطلق المصنف العبارة، يعني: من جملة رد قول المستدلين بتفضيل الأنبياء على الملائكة أن سجود الملائكة لآدم لا يلزم منه الأفضلية؛ لأنه لا يلزم تفضيل الكعبة على الأنبياء وصالحي بني آدم، ومع ذلك فبنو آدم أمروا أن يسجدوا إليها.