المادة    
يقول المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وأما الثاني: وهو توحيد الربوبية، كالإقرار بأنه خالق كل شيء، وأنه ليس للعالم صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، وهذا التوحيد حق لا ريب فيه، وهو الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام وطائفة من الصوفية، وهذا التوحيد لم يذهب إِلَى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم، بل القلوب مفطورة عَلَى إلا قرار به أعظم من كونها مفطورة عَلَى الإقرار بغيره من الموجودات، كما قالت الرسل عليهم السلام، فيما حكى الله عنهم: ((قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض)) [إبراهيم:10].
وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كَانَ مستيقناً به في الباطن، كما قال له موسى عَلَيْهِ السَّلام: ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْـزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ))[الإسراء:102] وقال تَعَالَى عنه وعن قومه: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)) [النمل:14] ولهذا لما قَالَ: ((وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)) عَلَى وجه الإنكار له تجاهل العارف، قال له موسى: ((رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ))[الشعراء:24-28].
وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهماً عن الماهية، وأن المسؤول عنه لما لم تكن له ماهية، عجز مُوسَى عن الجواب، وهذا غلط.، وإنما هذا استفهام إنكار وجحد كما دلت سائر آيات القُرْآن عَلَى أن فرعون كَانَ جاحداً لله نافياً له، لم يكن مثبتاً له طالباً للعلم بماهيته، فلهذا بيّن لهم موسى أنه معروف، وأن آياته ودلائل ربوبيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بما هو؟
بل هو سبحانه أعرف وأظهر وأبين من أن يجهل، بل معرفته مستقرة في الفطر أعظم من معرفة كل معروف.
ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قَالَ: إن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال، فإن الثنوية من المجوس، والمانوية القائلين بالأصلين: النور والظلمة، وأن العالم صدر عنهما: متفقون عَلَى أن النور خير من الظلمة. وهو الإله المحمود، وأن الظلمة شريرة مذمومة، وهم متنازعون في الظلمة، هل هي قديمة أو محدثة؟
فلم يثبتوا ربين متماثلين.
وأما النَّصارَى القائلون بالتثليث، فإنهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل هم متفقون عَلَى أن صانع العالم واحد، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، وقولهم في التثليث متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه، وفي التعبير عنه، لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان عَلَى معنى واحد، فإنهم يقولون: هو واحد بالذات، ثلاثة بالأقنوم! والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص، وتارة بالصفات، وتارة بالأشخاص. وقد فطر الله العباد عَلَى فساد هذه الأقوال بعد التصور التام، وفي الجملة فهم لا يقولون بإثبات خالقين متماثلين.
والمقصود هنا: أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين، مع أن كثيراً من أهل الكلام والنظر والفلسفة تعبوا في إثبات هذا المطلوب وتقريره، ومنهم من اعترف بالعجز عن تقرير هذا بالعقل وزعم أنه يتلقى من السمع] إهـ.

الشرح:
هذا الكلام كله في قضية واحدة معلومة لدى الجميع وهي: أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خالق كل شيء وحده لا شريك له.
  1. إثبات وجود الله قضية فطرية

  2. توحيد الربوبية لم يذهب إلى نقيضه أحد

  3. كلام حول الماهية