قيل الدخول في مناقشة أقوال الخميني في الكتاب، نورد ما ذكره المصنف رحمه الله من أقوال الفلاسفة في النبوة حيث قال:
"والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص:
قوة الإدراك وسرعته، لينال العلم أعظم مما يناله غيره.
وقوة النفس، ليؤثر بها في هيولى العالم بقلب صورة إلى صورة.
وقوة التخييل، ليخيِّل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، وترى وتخاطب الرسول".
وقد أتى الخميني في بداية كتابه بكلام مبني على كلام الفلاسفة وأصحاب وحدة الوجود، ثم بدأ بعد ذلك بالحديث عن الإمامة وبيان أهميتها عندهم.
يقول الخميني في المصباح : "وإذا انكشف على سرك أن هذه الحقيقة الغيبية أجل من أن ينال بحضرتها أيدي الخائضين، ويستفيض من جناب قدسها أحد من المستفيضين، ولم يكن واحد من الأسماء والصفات بما لهما من التعينات محرم سرها، ولم يؤذن لأحد من المذكورات دخول خدرها، فلابد لظهور الأسماء وبروزها، وكشف أسرار كنوزها من خليفة إلهية غيبية".
يعني: دمنا قد اتضح لدينا أن حقيقة الذات الإلهية لا يمكن أن تنال ولا يطلع عليها أحد، ولا يكتشف صفاتها أحد...إلخ، فلما كان كذلك فلابد لظهور الأسماء" أي: أسماء الله تعالى "وبروزها، وكشف أسرارها وكنوزها، من خليفة إلهية غيبية، يستخلف عنها حبه في الأسماء، وينعكس نورها في تلك المرايا، حتى تنفتح أبواب البركات، وتنشق عيون الخيرات، وينفلق الصبح الأزل، ويتصل الآخر بالأول"، إذاً لابد من واسطة بين هذه الحقيقة الغيبية، وهي الذات الإلهية وبين الموجودات والكائنات، وهذه الحقيقة التي يصفها بأنها بروز وظهور وتجلي للأسماء والصفات الإلهية، التي ذكر منها الرحمن والرحيم والاسم الأعظم، حتى يتم الاتصال بالعالم، وهو قوله: "ويتصل الآخر بالأول"، ثم يقول: "فصدر الأمر باللسان الغيبي من مصدر الغيب على الحجاب الأكبر، والفيض الأقدس الأنور، بالظهور في ملابس الأسماء والصفات، ولبس كسوة التعينات"، التعينات: هو وجود الأعيان، أي: وجود الشيء المعين -هذه سماء وهذه أرض- "فأطاع أمره وأنفذ رأيه" الذي كان حجاباً قدسياً أصبح تعينات خارجية، وهي تعينات للأسماء والصفات الإلهية.
يقول: "هذه الخليفة الإلهية، والحقيقة القدسية التي هي أصل الظهور، لابد وأن يكون لها وجه غيبي إلى الهوية الغيبية، ولا تظهر بذلك الوجه أبداً" أي لها وجهان: وجه غيبي يتعلق بالذات الإلهية، ولا يظهر بهذا الوجه أبداً في الواقع "ووجه إلى عالم الأسماء والصفات يتجلى فيها ويظهر في مراياها في الحضرة الواحدية الجمعية"، وكما هو معلوم عند أصحاب وحدة الوجود أن الموجود هو عين الخالق، والخالق عين المخلوق، وقد قال ابن عربي -وكلام الخميني هنا مثل كلامه- عندما قرأ : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] قال: (كيف استوى وما ثم إلا هو؟) بمعنى: أن الله هو العرش وهو المستوي، وأن العبد رب والرب عبد -تعالى الله عما يصفون- وقد اتفق على كفر أصحاب هذا القول جميع أهل الملل من اليهود والنصارى، وغيرهم من أهل الأديان.
يقول: "مصباح؛ أول ما يستفيض من حضرة الفيض والخليفة الكبرى حضرة الاسم الأعظم" -أي أن اسم الله- فيض من الأسماء والصفات، "بحسب مقام تعينه باستجماع جميع الأسماء والصفات، وظهوره في جميع المظاهر والآيات"، أي أن أول اسم من الأسماء يظهر في هذا الحجاب أو الروح القدسية هو اسم الله -تعالى الله عما يصفون- وتتعين فيه الحقيقة الذاتية الغيبية "فإن التعين الأول للحقيقة اللامتعينة هو كل التعينات والظهورات، ولا يرتبط واحد من الأسماء والصفات بهذا الفيض الأقدس إلا بتوسط الاسم الأعظم" أي أن: الاسم الأعظم هو الواسطة بين الأسماء وبين هذه الحضرة، والحضرة بينهما وبين الذات القدسية... ثم يضرب مثلاً فيقول: "أول ما ظهر من مظاهر الاسم الأعظم مقام الرحمانية والرحيمية"، أي: ظهر من الاسم الأعظم (الله) أسماء، يقول: "مقام الرحمانية والرحيمية الذاتيتين، وهما من الأسماء الجمالية" فالأسماء عندهم جلالية وجمالية وغير ذلك، "الشاملة على كل الأسماء، ولهذا سبقت رحمته غضبه، وبعدهما الأسماء الأخر من الأسماء الجلالية بحسب مقاماتها" ثم يقول: "مصباح، هذه الخلافة هي الخلافة في الظهور والإفاضة والتعين بالأسماء، والاتصاف بالصفات من الجمال والجلال لاستهلاك التعينات الصفاتية والأسمائية في الحضرة المستخلف عنه، وانتفاء كل العلميات في مقام عينه، وعدم الحكم لواحد منها وعدم الظهور لها، فهذه الخليفة الإلهية ظاهرة في جميع المرايا الأسمائية، منعكسة نورها فيها حسب قبول المرآة واستعدادها، سارية فيها سريان النفس في قواها، متعينة بتعيناتها".
ثم يقول بعد هذا الكلام: "اعلم أيها الخليل الروحاني وفقك الله لمرضاته، وجعلنا وإياك من أصحاب شهود أسمائه وصفاته: أن هذه الخلافة من أعظم شئونات الإلهية، وأكرم مقامات الربوبية، وباب أبواب الظهور والوجود، ومفتاح مفاتيح الغيب والشهود، وهي مقام العندية التي فيها مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا هو، بها ظهرت الأسماء بعد بطونها، وضربت الصفات غب كمونها، وهذه هي الحجاب الأعظم الذي يعدم عنده كل صغير وكبير، ويستهلك لدى حضرته كل غني وفقير، وهذه القضاء اللايتناهى الذي فوق العرش الذي لا خلاء فيه ولا ملأ، وهذه سبحات وجهه التي لو كشفت الحجب النورانية والظلمانية لأحرقت ما انتهى إليه بصره، فسبحانه ما أعظم قدره، وأجل شأنه، وأكرم وجهه، وأرفع سلطانه، سبوح قدوس رب السماوات الأسمائية والأراضي الخلقية" وهذه كلها تأويلات، إلى أن يقول: "فيا عجباً للخفاش يريد أن يمدح شمس الشموس الطالعة، وحرباء يصف البيضاء القاهرة الساطعة"
إن هذا الكلام مثل:
ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لاحد
هذا هو مقصوده.. أي: من الذي يستطيع أن يصف الله وأن يسميه؟ يقول: إن الذي يريد أن يصف الله مثل الخفاش عندما يريد أن يصف الشمس، ولهذا لا يصفون الله تعالى بشيء، وهذه من العجائب! فـالخميني ليس فقط معتزلياً، بل هو أيضاً من أصحاب الفلسفة الإشراقية التي كان عليها ابن عربي وأمثاله، فقد غلا هؤلاء الفلاسفة حتى إن المعتزلة كفروهم؛ لأن هؤلاء الفلاسفة يقولون: إن الله لا يوصف بشيء، وإن من حاول وصف الله أو تسميته، فإنما مثله كالخفاش الذي يحاول أن يمدح الشمس.