قال المصنف رحمه الله: [والرافضة المتأخرون] فأورد قيداً هنا وهو قوله: (المتأخرون) ذكر المتأخرين؛ لأن الرافضة القدامى كانوا على مذهب التمثيل، فإذا قيل: هذا رافضي، فالأصل في عقيدته أنه من أهل التمثيل والتشبيه، ومنهم هشام بن الحكم الرافضي الذي هو عنوان لأهل التمثيل الذين يقولون: إن الله تبارك وتعالى مثل المخلوقين -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وسبب التمثيل عند الرافضة : هو أن أصل دينهم مأخوذ عن اليهودية، والتوراة المحرفة فيها تمثيل لله تعالى بخلقه، وقد قام عبد الله بن سبأ بنقل ما في التوراة المحرفة، ثم أخذته عنه الرافضة، وجاء هشام بن الحكم وأمثاله، فكانوا على هذا المذهب المنحرف الخبيث، ثم تحولت الرافضة إلى العدل والتوحيد -أي: إلى الاعتزال- في القرن الرابع تقريباً، لأنه في آخر القرن الثالث كانت فتنة القول بخلق القرآن، ثم نصر الله تبارك وتعالى السنة وأهلها، وأظهر الله الإمام أحمد رحمه الله على أعدائه، فعمت السنة العالم، فانحاز أعداء السنة وتقوقعوا وتجمعوا، وحصل بينهم التلاقح والتلاقي الفكري، فانضم الرافضي إلى المعتزلي، وتكتلت طوائف الشيعة مثل: الضرارية، والنجارية، والبكرية، وغيرها من الطوائف ممن كانت لهم صولة وجولة في أيام المأمون، وناظروا الإمام أحمد رضي الله عنه.
ولذلك فإن الزيدية الموجودة اليوم في اليمن نجد أنهم في العقيدة معتزلة، فمن أين جاء الاعتزال على الرغم من أن زيداً كان من أهل السنة ؟!
وكذلك ظهر الاعتزال في الجعفرية الإثني عشرية في إيران ولبنان وغيرها.
فهناك قاسم مشترك بين الزيدية والإمامية وهو عقيدة الاعتزال، مع اختلافهم في مسألة الخلافة، فإن الزيدية لهم مذهب وأولئك لهم مذهب، ويختلفون كذلك في التقية، فـالزيدية لا تقول بالتقية، بل تجهر بما عندها وتقاتل عليه علناً، أما أولئك فالتقية مذهبهم..
ومعرفة هذه الفروق يقودنا إلى معرفة حقيقة هذه الفرق والتمييز بينها، فلما التقت هذه الطوائف وتلاقحت أفكارها وآراؤها، أصبحت العقائد الرافضية عقائد اعتزالية.
ولذلك لما ألف ابن المطهر كتابه الذي سماه منهاج الكرامة، رد عليه شيخ الإسلام رحمه الله بكتاب منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، والقدرية إذا أطلقت قصد بها المعتزلة -وإن كان قد ضل في القدر طوائف كثيرة- وقد أتى صاحب منهاج الكرامة بأدلة عقلية على منهج المعتزلة، ونقلية على طريقة الروافض في اختلاق الأخبار أو في تأويلها بما يوافق ضلالهم، فرد عليه شيخ الإسلام .
فأصبحت عقيدة الرافضة والمعتزلة في أصل العدل والتوحيد واحدة، أو شبه واحدة، فمعنى التوحيد عند المعتزلة : نفي الصفات، وبمعنى العدل: نفي القدر، وكذلك هو نفس المعنى عند الرافضة .