المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وكلما بعد العهد ظهرت البدع، وكثر التحريف الذي سماه أهله تأويلاً ليقبل، وقلّ من يهتدي إِلَى الفرق بين التحريف والتأويل، إذ قد سُمِّى صرف الكلام عن ظاهره إِلَى معنى آخر يحتمله اللفظ في الجملة تأويلاً، وإن لم يكن ثَمَّ قرينة توجب ذلك، ومن هنا حصل الفساد، فإذا سموه تأويلاً قُبل وراج عَلَى من لا يهتدي إِلَى الفرق بينهما. فاحتاج المؤمنون بعد ذلك إِلَى إيضاح الأدلة، ودفع الشُبَه الواردة عليها، وكثر الكلام والشغب، وسبب ذلك إصغاؤهم إِلَى شُبه المبطلين، وخوضهم في الكلام المذموم الذي عابه السلف، ونهوا عن النظر فيه، والاشتغال به والإصغاء إليه، امتثالاً لأمر ربهم، حيث قال: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه))[الأنعام:68] فإن معنى الآية يشملهم. وكلٌ من التحريف والانحراف عَلَى مراتب: فقد يكون كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ.
فالواجب اتباع المرسلين واتباع ما أنزله الله عليهم وقد ختمهم الله بمُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعله آخر الأَنْبِيَاء وجعل كتابه مهيمناً عَلَى ما بين يديه، من كتب السماء، وأنزل عليه الكتاب، والحكمة، وجعل دعوته عامة لجميع الثقلين: الجن والأنس، باقية إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وانقطعت به حجة العباد عَلَى الله، وقد بين الله به كل شيء وأكمل له ولأمته الدين، خبراً وأمراً وجعل طاعته طاعة له، ومعصيته معصية له، وأقسم بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم، وأخبر أن المنافقين يريدون أن يتحاكموا إِلَى غيره، وأنهم إذا دعوا إِلَى الله والرَّسُول -وهو الدعاء إِلَى كتاب الله وسنة رسوله- صدوا صدوداً وأنهم يزعمون أنهم إنما أرادوا إحساناً وتوفيقا.
وكما يقول كثير من المتكلمة والمتفلسفة وغيرهم: إنما نريد أن نُحس الأشياء بحقيقتها، أي: ندركتها ونعرفها ونريد التوفيق بين الدلائل التي يسمونها العقليات -وهي في الحقيقية جهليات- وبين الدلائل النقلية المنقولة عن الرَّسُول أو نريد التوفيق بين الشريعة والفلسفة.
وكما يقوله كثير من المبتدعة من المتنسكة والمتصوفة: إنما نريد الأعمال بالعمل الحسن، والتوفيق بين الشريعة وبين يما يدعونه من الباطل الذي يسمونه: حقائق وهي جهل وضلال وكما يقوله كثير من المتكلمة والمتأثرة: إنما نريد الإحسان بالسياسة الحسنة والتوفيق بينها وبين الشريعة ونحو ذلك.
وكل من طلب أن يُحكم في شيء من أمر الدين غير ما جَاءَ به الرسول، ويظن أن ذلك حسن، وأن ذلك جمع بين ما جَاءَ به الرَّسُول وبين ما يخالفه، فله نصيب من ذلك، بل ما جَاءَ به الرَّسُول كافٍ كاملٌ يدخل فيه كل حق، وإنما وقع التقصير من كثير من المنتسبين إليه، فلم يعلموا ما جَاءَ به الرَّسُول في كثير من الأمور الكلامية الاعتقادية، ولا في كثير من الأحوال العبادية، ولا في كثير من الأمارة السياسية، أو نسبوا إِلَى شريعة الرَّسُول بظنهم وتقليدهم ما ليس منها وأخرجوا عنها كثيرا من ما هو منها.
فبسبب جهل هَؤُلاءِ وظلالهم وتفريطهم وبسبب عدوان أُولَئِكَ وجهلهم ونفاقهم كثر النفاق ودرس كثير من علم الرسالة.
بل البحث التام والنظر القوي والاجتهاد الكامل في ما جَاءَ به الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُعلم ويعتقد ويعمل به ظاهراً وباطناً، فيكون قد تُلي حق تلاوته، وأن لا يهمل منه شيء] إهـ.

الشرح:
كلما بعد العهد كثرت الانحرافات والتأويل الذي سماه أهله "تأويلاً" فإن من المعلوم أنه قد كثر التعطيل والتشبيه.
  1. التأويل

  2. خطر التأويل

  3. سبب التأليف في العقائد

  4. مراتب التأويل

  5. تاريخ ظهور البدع

  6. أقسام الشيعة