ثم يشرع ابن القيم في بيان إيمانهم بالتفصيل، فيقول رحمه الله: "فاعلم أن الله -سبحانه وتعالى عما يقولون- عندهم"، أي: عند الفلاسفة "، كما قرره أفضل متأخريهم، ولسانهم، وقدوتهم الذي يقدمونه على الرسل أبو علي بن سينا : هو الوجود المطلق، بشرط الإطلاق"، فالله تعالى عندهم وجود مطلق بشرط الإطلاق، أي: لا نقيده بأي صفة من الصفات، إنما وجود مطلق هكذا، "وليس له عندهم صفة ثبوتية تقوم به"، أي: لا نقول: حي ولا قيوم ولا عليم ولا سميع ولا بصير، "ولا يفعل شيئاً باختياره ألبتة"، فينفون عنه الأفعال، فلا نقول: خَلَقَ، ولا رَزَقَ، ولا أعطى ومنع، ولا أضحك وأبكى، ولا أمات وأحيا، ولا أغنى وأقنى، فهم لا يؤمنون بهذا الكلام أبداً، "ولا يعلم شيئاً من الموجودات أصلاً"، وكما هو معلوم أن أكفر القدرية هم الذين ينكرون العلم، وهؤلاء يوافقونهم في إنكار العلم، وهذا من أوضح ما يكفَّر به الفلاسفة ؛ لأنهم ينكرون العلم، ابتداءً من أرسطو وانتهاءً بمن جاء بعده، قال: "لا يعلم عدد الأفلاك، ولا شيئاً من المغيبات، ولا له كلام يقوم به ولا صفة"، وهذا هو حال الله سبحانه وتعالى عندهم.