ثم يقول الشيخ الألباني : "ويبدو لي أن هذه الحيرة كانت قبل استقرار عقيدة أبي المعالي الجويني على المذهب السلفي" فهو في آخر عمره رجع إلى ما يشبه مذهب السلف في الجملة، وإلا فهو أقرب إلى التفويض، وله رسالة مسماة بـالرسالة النظامية .
قال الألباني : "بل لعلها كانت المنطلق إلى هذا الاستقرار الذي أبان عنه فيما سبق من كلامه في الرسالة النظامية " وقد كان الحافظ الذهبي رحمه الله ذكر أولها في أول كلامه، وهو كلام جيد نقرأ لكم بعضه؛ فإن إمام الحرمين -بعد أن نزل عن المنبر واعترف بالحيرة- أخذ يفكر، ثم في آخر أيامه ألف الرسالة النظامية، ورجع فيها عن تأويلات الأشعرية كلها، وفي أول هذه الرسالة النظامية يقول: "اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر -أي ظواهر آيات الصفات- فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب عز وجل، والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقيدة، اتباع سلف الأمة".
وهكذا كان في آخر أمره رحمه الله وغفر له، فكان مآل أمره الرجوع إلى الحق، فقال رحمه الله: "والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقيدةً، اتباع سلف الأمة -فيا ليت كل أشعري يقول مثل هذا الكلام- والدليل القاطع السمعي في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة؛ فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوماً -كما يقول أهل التأويل- لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة -من صلاة وطهارة وزكاة وحج وغير ذلك- وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل،كان ذلك هو الوجه المتبع" معنى كلامه أنه ما دام عصر الصحابة والتابعين قد انصرم وانقضى دون تأويل، فهذا هو الذي يجب أن يتبع، ثم قال: "فلتجر آية الاستواء وآية المجيء وقوله: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ))[ص:75] على ذلك" يعني: على ما قرره السلف الصالح من عدم التأويل، وهذا من الرجوع إلى الحق.