الرد على المحقق في تعليقه على حديث (أين الله)
وقد قال المحقق -وهو عبد الله بن الصديق تعليقاً على حديث الجارية-: "رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وقد تصرف الرواة في ألفاظه، فروي بهذا اللفظ كما هنا وبلفظ: {من ربك؟ قالت: الله ربي}، وبلفظ {أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم}. وقد استوعب تلك الألفاظ بأسانيدها الحافظ البيهقي في السنن الكبرى؛ بحيث يجزم الواقف عليها أن اللفظ هنا مروي بالمعنى حسب فهم الراوي".
فالمحقق يزعم أن رواية: {أين الله؟} من تصرف الرواة وأن الرواية الصحيحة هي أنه سألها: {من ربك؟} {أتشهدين أن لا إله إلا الله؟} مع أن الرواية التي في صحيح مسلم هي: {أين الله؟}، لكن لماذا يريد هذا المحقق أن يتهم الرواة؟! قال: "ويؤيد ذلك أن المعهود من حال النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه بالتواتر أنه كان يختبر إسلام الشخص بسؤاله عن الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام ودليله" نعم! النبي صلى الله عليه وسلم قد يسأل عن الشهادتين كما سأل الأعرابي: {أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم}، في حديث رؤية الهلال، لكن إذا سأل: أين الله؟ ومن أنا؟ فذلك مثل قوله: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ بل ذلك أوضح وأجلى؛ لأن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم للجارية كانت على قدر عقلها ولغتها وفهمها، فهو يخاطبها بأقل مما يخاطب به الأعرابي، لأن الأعرابي يعرف اللغة.
ولو وقف عبد الله بن الصديق عند هذا الحد لقلنا: هذا رجل تعارضت عنده الروايات، فقدم رواية على أخرى، لكنه قال: "أما كون الله في السماء، فكانت عقيدة العرب في الجاهلية، وكانوا مشركين، فكيف تكون دليلاً على الإسلام؟!" فهذا السؤال موجه من المحقق: عبد الله بن الصديق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -نسأل الله العفو والعافية- لأن رسول الله هو الذي قال لها ذلك، وكأنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجعل ما هو من عقيدة العرب في الجاهلية دليلاً على الإسلام؟! والرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فهل تجرؤ أن تسأل رسول الله هذا السؤال؟!
نعم كونه تعالى في السماء عقيدة كانت العرب في الجاهلية تقِرُّ بها، لكن ذلك ليس من خصائصهم، فقد كانت كل الأمم تقر بذلك، وهذه حجة على هذا المحقق.
إن بعض المحققين يمسخون عبارات الكتب القديمة التي يحققونها ويعلقون عليها، وإذا قرأ الإنسان هذا الكلام النفيس الغالي لـابن عبد البر رحمه الله، فإن قلبه يطمئن إلى عقيدة أهل السنة، لكنه إذا قرأ هذه الكلمة للمحقق، فإن ذلك قد يصده عن الحق الذي قاله ابن عبد البر رحمه الله.
فيقال للمحقق:حتى ولو كانت عقيدة العرب في الجاهلية أن الله في السماء -وكل العرب والعجم يقولون ذلك لأن كل الفطر تشهد أنه تبارك وتعالى في السماء- فيكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك -ونعوذ بالله من غلبة الهوى ونسأل الله العفو والعافية- ولأن يلقى الإنسان ربه تعالى جاهلاً أمياً لا يقرأ ولا يكتب خير له من أن يلقاه بهذه التأويلات التي تصرف كلمات كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عن معانيها إلى الأهواء والضلالات والشبهات.