ثم استدل الإمام ابن عبد البر رحمه الله على ذلك فقال: "والدليل على صحة ما قاله أهل الحق في ذلك هو قول الله عز وجل: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5]، وقوله عز وجل: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ))[السجدة:4]، وقوله: ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ))[فصلت:11]، وقوله: ((إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا))[الإسراء:42] وقوله تبارك اسمه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ))[فاطر:10]، وقوله تعالى: ((فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ))[الأعراف:143] وقال : ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ))[الملك:16] وقال جل ذكره: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى))[الأعلى:1] وهذا من العلو، وكذلك قوله: ((الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ))[البقرة:255] و ((الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ))[الرعد:9] و((رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ))[غافر:15].. و((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ))[النحل:50]"، ثم قال: "والجهمي يزعم أنه أسفل"، وإن لم يقلها صراحة فقوله: إنه في كل مكان يقتضي ذلك.
قال: "قال جل ذكره: ((يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ))[السجدة:5]، وقوله: ((تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ))[المعارج:4]، وقال لعيسى عليه السلام: ((إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ))[آل عمران:55]، وقال: ((بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ))[النساء:158]، وقال: ((فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ))[فصلت:38]، وقال: ((وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ))[الأنبياء:19]، وقال: ((لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ))[المعارج:2-3]، والعروج: هو الصعود".
ثم قال: "وأما قوله تعالى: ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ))[الملك:16] فمعناه: من على السماء؛ يعني: على العرش، وقد يكون (في) بمعنى (على) ألا ترى إلى قوله تعالى: ((فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ))[التوبة:2] أي: على الأرض -وليس في داخلها- وكذلك قوله: ((وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ))[طه:71]، وهذا كله يعضده قوله تعالى: ((تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ))[المعارج:4] وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب" قد فسر رحمه الله آية الملك: ((أأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ))[الملك:16] لأنها مما تعمد من ينكرون علو الله تأويله؛ بخلاف غيرها من الآيات؛ فإن تأويلها بعيد.