يقول: "فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله، فسلم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله: في خوفه، ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذل له وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق.
وهذا هي حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده".
فالقلب السليم: هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى؛ إرادة، ومحبة، وتوكلاً، وإنابة، وإخباتاً، وخشية، ورجاءً، وخلص عمله لله، فإن أحب أحب في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعقد قلبه معه عقداً محكماً على الائتمام والاقتداء به وحده، دون كل أحد، في الأقوال والأعمال: من أقوال القلب وهي العقائد، وأقوال اللسان: وهي الخبر عما في القلب، وأعمال القلب وهي: الإرادة، والمحبة، والكراهة، وتوابعها، وأعمال الجوارح" فهذه الأربعة هي أركان الإيمان: قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، وهي تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة . ففي كل هذه الأربعة يعقد القلب عقداً جازماً أن إمامه وقدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحب ما أحب، ويبغض ما أبغض، ولا يخاف في الله لومة لائم، بل لا يعد كلام وانتقاد الناس شيئاً؛ لأنه يطبق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتبع أمره، بل يعتبر انتقاد الناس له مما يفرحه ويبهجه، كما قال الشاعر:
أجد الملامة في هواك لذيذة            حباً لذكرك فليلمني اللوم
وكان هذا الشاعر يقول هذا الشعر في محبوب له في الدنيا، فكيف بالمؤمن؟ فيجب عليه أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم مهما لِيمَ ونيل منه بسبب ذلك، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله على بصيرة، بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ولا يبالي، فإن كل الناس وإن شتموه وسبوه؛ فإنما يذكرونه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا:
أجد الملامة في هواك لذيذة            حباً لذكرك فليلمني اللوم
يقول: "فيكون الحاكم له في ذلك كله، دقه وجله، هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل، كما قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))[الحجرات:1] أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر"، وكما قال تعالى في سورة أخرى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[النساء:65] أي: ينقادوا انقياداً، فالإيمان ليس مجرد دعوى أو انتساب لفظي بأن يقول: أنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أنا من أهل السنة .