المادة    
يذكر المصنف رحمه الله بعض ما فصله الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في أول كتابه إغاثة اللهفان، وهو كتاب عظيم جدير بأن يقرأ، فقد اشتمل على فوائد عظيمة في بيان أحوال القلوب، وما يصيبها من أمراض الشهوات والشبهات التي تعرض لها، وتكلم عن مكائد الشيطان للعباد في العبادات والأحكام والمعاملات...، فيقول ابن القيم رحمه الله: "الباب الأول: في انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت، لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها؛ انقسم بحسب ذلك إلى هذه الأحوال الثلاثة، فالقلب الصحيح: وهو القلب السليم الذي لا ينتفع يوم القيامة إلا من أتى الله به كما قال تعالى: ((يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ))[الشعراء:88]* ((إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ))[الشعراء:89] ".
وهذا من دعاء إبراهيم الخليل عليه السلام الذي قال فيه ربنا تعالى: (( إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الصافات:84] ليقينه وإيمانه أنه لا ينفع يوم القيامة مال ولا بنون (( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء:89].
فبذلك القلب السليم تكون النجاة الكاملة، والاهتداء الكامل، وقد ينجو صاحب القلب المريض رحمة من الله له ومغفرة لذنوبه، وبشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والشافعين، لكن الذي له السلامة والنجاة الكاملة، هو صاحب القلب السليم، ولهذا يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ))[الأنعام:82]. فهؤلاء لم يلبسوا إيمانهم بظلم، أي: بشرك كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالصغائر تقع منهم، لكنهم تركوا الشرك صغيره وكبيره، وتركوا تبعاً لذلك الكبائر، فهؤلاء لهم الأمن وهم مهتدون؛ أمناً تاماً وهداية تامة لأن قلوبهم تامة السلامة لم يلبسوها بشيء مما يهلكها، ولكن من نقص إيمانه وطاعته وتلبس بالمعاصي، فإنه ينقص من أمنه يوم القيامة بمقدار ما ينقص من إيمانه، وينقص من هدايته في الدنيا بقدر ما يخل به من الطاعات.
ومن فقد ذلك بالكلية وهو صاحب القلب الميت، فهذا لا أمن له ولا اهتداء، لا في الدنيا ولا في الآخرة، نسأل الله العفو والعافية.
ويقول رحمه الله: "...: ((إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ))[الشعراء:89] والسليم هو السالم، وجاء على هذا المثال لأنه للصفات، كالطويل والقصير والظريف، فالسليم القلب الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له، كالعليم والقدير، وأيضاً فإنه ضد المريض، والسقيم والعليل". أي: أنه تأتي صفة فعيل بمعنى فاعل وله أشباه ونظائر من كلام العرب ذكر بعضها.
  1. معنى القلب السليم

  2. حقيقة العبودية وتعلقها بسلامة القلب