هذا القول هو فرع من سابقه، وهو: أن المحو والإثبات في الشريعة الواحدة، أي: ليست شريعة تنسخ شريعة فقط، بل هناك نسخ في نفس الشريعة الواحدة، فهو كقوله تعالى: ((مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا))[البقرة:106] فهو سبحانه وتعالى ينسخ ويمحو من القرآن ما يشاء، ويثبت ما يشاء؛ من أحكام الحلال والحرام، (وعنده أم الكتاب) أي: أصله وجملته؛ فالحلال والحرام مثبت فيه، ولكن يحلل لعباده ما يشاء ويحرم عليهم ما يشاء كما يشاء عز وجل، أو ينزل من الآيات على الرسل ما يشاء، ويمحو تلك الآيات ويأتي بآيات أخرى كما يشاء.
فإن قلنا بالمحو والإثبات في الشرائع عامة، فمثاله أن الله سبحانه وتعالى أيد عيسى بن مريم بالإنجيل، وأعطاه الآيات البينات، ثم محا ذلك وأنزل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأعطاه الآية الكبرى وهي القرآن، وهو ناسخ لما قبله، هذا على القول الثاني.
أما على القول الثالث الذي هو جزء من الثاني -تقريباً- فيكون المعنى: أن الله سبحانه وتعالى ينزل آيات في القرآن، ثم يمحوها وينسخها، وينزل آيات أخرى في نفس الكتاب، وعنده أم الكتاب، فالقرآن الذي في اللوح المحفوظ لا تغيير فيه، لكن بعض الآيات التي نسخت أحكامها وتلاوتها، أو تلاوتها هذه ليست مثبتة في اللوح المحفوظ، ولا تغيير في اللوح المحفوظ، هذا هو القول الذي ذهب ومال إليه بعض السلف.