قد يقال: هل من فائدة أو حكمة من هذا إذا كنا لا نعلم ماذا كتب في صحيفتنا، وماذا كتب في ليلة القدر، وكذلك لا نعلم ما في اللوح المحفوظ، ولم يظهر لنا ما محي وما أثبت؟
فنقول: في ذلك حكمة، ولا يشترط في الحكمة أن نعلم بها نحن البشر.
ومما يمكن أن يكون من الحكم في ذلك ما يلي:
الأمر الأول: أننا ينبغي لنا أن نتنافس ونتسابق في فعل الخير، مثلاً: نجتهد في الدعاء لأنه يرد القضاء، ونجتهد في صلة الرحم لأنها تبسط في الرزق وتزيد في العمر، ونأخذ بالأسباب كما أمر الله سبحانه وتعالى، وكون ذلك يقع ولا نعلمه أولاً يقع؛ فعلمه عند الله، لكن فائدة هذا لنا نحن هو الاجتهاد في السعي للأخذ بأسباب السعادة والابتعاد عن أسباب الشقاوة، فكما ندفع الجوع بالأكل، ندفع أيضاً الموت أو الأجل بالدعاء، وكذا المصائب ندفعها بالدعاء أو بصلة الرحم وبفعل الخير.
إذاً: نحن عندما نجتهد في الطاعات ننازع القدر بالقدر، ونرد القدر بالقدر، وندفع القدر بالقدر، هذا الذي ينبغي أو يجب أن يكون عليه المؤمن.
الأمر الثاني: أن الملائكة التي تكتب آجالنا وأعمالنا، وشقاوتنا وسعادتنا -جعلنا الله وإياكم من السعداء في الدنيا والآخرة- هم عباد مكرمون، مصطفون أخيار عند الله سبحانه وتعالى: ((لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ))[التحريم:6] لا يعصونه طرفة عين؛ يستغفرون للذين آمنوا، ويحرصون على أن نفعل الطاعات، وأن نجتنب الموبقات، فإذا رأى الملك أن الله سبحانه وتعالى كتب أن فلاناً يموت بعد كذا من العمر، ثم علمت الملائكة أن الله قد غير ذلك فتدعو له وتفرح وتسر أنه يطيع الله سبحانه وتعالى؛ لأنها مطيعة له عز وجل، فكوننا لا نعلم فالملائكة تعلم ويطلعها الله سبحانه وتعالى كما يطلع من يشاء من خلقه على ما يريد، فكما أطلعهم على آجالنا وأرزاقنا وأعمالنا وأمرهم بكتابتها، فكذلك يطلعهم على مغفرته سبحانه وتعالى، وعلى عفوه ومحوه وإثباته، فإذاً الأمر ليس خاصاً بنا وحدنا، بل له تعلق أيضاً بهؤلاء العباد المكرمين، وأيضاً هؤلاء العباد المكرمون علاقتهم بالله سبحانه وتعالى هي أنهم يرون سعة فضل الله ورحمته، فيكون ذلك أيضاً فيه حكمة ومصلحة، وهو أنهم يعلمون ذلك ويرونه عياناً.