القضية الأخرى التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار انطلاقاً من هذه البدهيات والقواعد الواضحة، هي: أن الولي ليس أسطورة، أو شخصية خيالية! كيف كان الصحابة؟ وكيف كان السلف يعيشون؟ وبماذا اشتغلوا؟ وماذا عملوا؟ وكذلك من سار على منهجهم؟
لقد بيّن الله تعالى من هم الأولياء، وذكر لنا أحوالهم في كتابه فقال: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ))[يونس:62-64].
إذاً: عملهم هو التقوى والإيمان؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبصحبه الذين هم أفضل الناس بعده، وأتقى الأجيال.
لكن جاء في العصور المتأخرة من يقول: فلان ولي؛ فإذا قيل له: كيف عرفت ولايته؟ قال: لأنه ترك الناس واعتزلهم ولم يتزوج، ولم يأخذ بأي حظٍ من حظوظ الدنيا، أو لأنه يطير في الهواء، ويمشي على الماء، ويفعل ويفعل... فهذا هو الولي في نظره وفي نظر أمثاله.
أما من كان في بيت من بيوت الله؛ يتلو كتاب الله؛ راكعاً أو ساجداً لله؛ مجاهداً في سبيل الله؛ آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، داعياً إلى الله؛ فهو عندهم ليس بولي؛ بل هو مسلم فقط، والولي عندهم هو تلك الصورة التي وضعتها الأجيال المتأخرة في عصور الانحطاط، وهي صورة إنسان لا تتمثل فيه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل إن أخلاقه وطباعه من أخلاق رهبان البوذيين والهندوس، ورهبان النصارى، فهذا هو الذي يريدونه، ولو رأوا شخصاً من العباد والعلماء والزهاد والمجاهدين، أو سمعوا به؛ لما رضوا أن يسموه ولياً، وأقل ما سيكون أنهم لن يعتبروه أفضل من وليهم؛ لأن وليهم لا يأكل إلا من المزابل، والدنيا عنده حقيرة تافهة، لا يسعى لها، وشغله إنما هو بالآخرة.. ينام في أي مكان.. ولم يُعرف عنه أنه غسل ثيابه منذ أن عاش!
هذه هي أخلاق أوليائهم، حتى أصبح منهم من يفتخر أنه يترك الجمعة والجماعة -نسأل الله العفو والعافية- فأي ولاية هذه؟!
وهذا النوع يُصطلح على تسميته بالتصوف العامي أو البدعي، وهذا هو الغالب على ساحة العالم الإسلامي اليوم؛ منذ قرون، ونظرتهم أن الولي هو من هذه حاله!
غير أن هناك ما هو أشد خطراً من ذلك وأخبث، وهو ما يقوله فلاسفة الصوفية؛ فإنهم قد جعلوا الولاية درجة أعلى من درجة النبوة، فارتكبوا بذلك مكفراً من المكفرات؛ إذ أن من زعم أو ادعى أو ظن أن أحداً أفضل من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أو من أي نبي من الأنبياء، فهو كافرٌ؛ فهم يجعلون مقام النبوة أدنى من مقام الولاية، قالوا:
مقام النبوة في برزخ            فُويق الرسول ودون الولي
فأعلى شيء عندهم هو الولي، ثم النبي، ثم الرسول.
إذاً: الأولياء عندهم أعظم وأفضل من الأنبياء، ويقولون: إن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وخاتم الأولياء منزلة قد ادعاها كثير منهم؛ كـابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، ومن آخر من ادعى أنه خاتم الأولياء محمود محمد طه، وشعيشع الذي ظهر في مصر، وكلٌ يدعي أنه أفضل من خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
ولا شك في خروج هؤلاء من الإسلام، ومروقهم من الدين وكفرهم، وقد كفرهم أكثر الأمة، ولم يتردد في تكفيرهم إلاَّ من جهل بحالهم، أو كان على منوالهم.
ومن أحسن الكتب في هذا الموضوع كتاب الفرقان لشيخ الإسلام ابن تيمية، الذي هو: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ؛ لأن له كتاباً آخر هو: الفرقان بين الحق والباطل، وكذلك كتاب ولاية الله للإمام الشوكاني رحمه الله، وقد شرح فيه حديث الولي، وحققه الدكتور إبراهيم هلال .