المادة    
يقول رحمه الله: [... من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى].
لم يتعرض المصنف رحمه الله لشرح هذه العبارة وبيان من هم أولياء الله؛ لأنه سيأتي ما يوضح ذلك في مبحث الكرامات، لكن لا بأس أن نشير إلى شيء من ذلك هنا.
من المعلوم أن أعظم أولياء الله تعالى وأجلهم وأعلاهم مقاماً هو محمد صلى الله عليه وسلم، وبعده الأنبياء والصحابة والصديقون والشهداء والصالحون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ فأعلى جيل من الأولياء هو الجيل الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظم الأولياء في هذه الأمة هم الصحابة الكرام؛ فلا يجوز أن يخطر ببال أحد من المسلمين أن جيلاً -أو فرداً- بعد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يمكن أن يكون أعظم في درجة الولاية من الصحابة، حتى الأئمة المشهود لهم بالخير والفضل، المجمع على مكانتهم وإمامتهم في الدين، أمثال عمر بن عبد العزيز، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأولئك الأجلة وغيرهم، على فضلهم وعلو مكانتهم، وعلى أننا نتقرب إلى الله تعالى بحبهم، وأنهم من القرون المفضلة، أو ممن هم أقرب إلى القرون المفضلة الثلاثة، ولكنهم مع ذلك لا يرتقي أحد منهم لأن يكون كأحد الصحابة أو أفضل من أحدهم.
هذه قاعدة أساسية، ولكن على وضوحها وبدهيتها نجد أنها تكاد تكون منسية تماماً في شعور وفي إحساس كثير من المسلمين؛ بدليل ما نشاهده من تعظيم وإجلال -بله التقديس والعبادة- لبعض المتأخرين الذين جاءوا من بعد، ويقال عنهم: إنهم أعظم الأولياء، وهم أشرف وأفضل الأتقياء، فكيف يتفق هذا؟ كيف يصح أن تلغى هذه العقيدة وهذه القاعدة على بدهيتها، وعلى ما يشهد لها من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!
ولو أردنا أن نذكر الأدلة فيها لطال بنا المقام جداً، لكنها معلومة ولله الحمد.
إذاً: لا جيل أفضل من جيل الصحابة مطلقاً، فهم أولياء الله، وينبني على ذلك ويترتب عليه: أن صفات الأولياء يجب أن تكون مستقاة من صفات أولئك ومشتقة منها، فلا ولي لله تبارك وتعالى إلا من كان مقتدياً بذلك الجيل.. بأولئك الصحابة الكرام والسلف الصالح ؛ فمن سار على منهاجهم ونسج على منوالهم، فهو ولي من أولياء الله سبحانه وتعالى، قد بلغ الذروة في الولاية؛ لأن الولاية ولايتان: عامة وخاصة، والكلام هنا إنما هو في الولاية الخاصة؛ أما الولاية العامة فكل المسلمين هم أولياء لله سبحانه وتعالى، وأعداء الله هم الكفار، وكذلك: حزب الله هم المسلمون، وحزب الشيطان هم الكفار، وهذا من المسلمات، وكل مسلم في الحقيقة هو من أولياء الله -إذا قصدنا الولاية العامة- لأنه من أهل التوحيد والإسلام والإيمان.
والولاية الخاصة يقال عن المتصفين بها: الأولياء؛ وهي كغيرها من المصطلحات الشرعية: التقوى، البر، الطاعة، ويقال عن أصحابها: أبرار، صالحون، مؤمنون، وهذه المصطلحات -الكلمات الشرعية- درجات مختلفة، فالمؤمنون يتفاوتون في الإيمان، والمتقون يتفاوتون في التقوى.. وهكذا. فالولاية تعني أن أناساً يتميزون عن العامة من المسلمين -والذين هم دون هذه الأسماء- لكنهم في ذاتهم متفاوتون، فالشهداء درجات، والصالحون درجات، والأتقياء درجات... والولاية الخاصة بمعناها الخاص متفاوتة في درجات أصحابها؛ شأنها في ذلك شأن كلمة التقوى أو البر أو الطاعة.
فأولياء الله يتفاوتون.. فـأبو بكر رضي الله تعالى عنه -مثلاً- أفضل من عمر، مع أن كليهما ولي لله، وهكذا يتفاوت سائر جيلهم، ومن يأتي من بعد جيلهم ممن سار على منهجهم من الأئمة الكبار المقتدين بالصحابة في كل صغيرة وكبيرة، وهم في ترتيب الولاية بعد ذلك الجيل المختار، كالإمام أحمد وهو الذي أجمعت الأمة على حبه وجلالته وعلمه وفضله رضي الله عنه، ومع موقفه العظيم الذي وقفه في وجه أهل البدع والضلال، وأوذي في الله سبحانه وتعالى، وهو بذلك ولي من أولياء الله، لكن لاشك أن درجته في سُلَّم الولاية تكون بعد ذلكم الجيل المفضل.
وكل إنسان تكون درجته في الولاية بحسب درجته من الإيمان، ولكن ضمن هذا التسلسل، فلن يأتي أبداً مَن يكون أعظم ولاية لله من أولئك الصحابة، والولي إنما يترقى في درجة الولاية بمقدار ما يقتدي بأولئك السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، فيجب أن يعلم أن الولاية هي في الاقتداء بذلك الجيل الذي تحققت فيه الدرجة الرفيعة من الولاية.
  1. الولي عند الصوفية