يكون التعليل بأدوات أوضحها: (لام التعليل)، فلام التعليل حرف مختص بالتعليل.
وكذلك يكون التعليل بالجملة؛ سواء كانت اسمية أو فعلية.
ولو نظرنا إلى القرآن لوجدنا أن التعليل فيه كثير جداً، يصعب حصره؛ بل جاء التعليل في القرآن بألفاظ هي من أصرح الألفاظ الدالة عليه، فقد ذكر الله تبارك وتعالى قصة ابني آدم إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، ثم ذكر في آخر هذه القصة حكم القتل معللاً، فقال تعالى: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا))[المائدة:32]، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى العلة في الحكم بأداة التعليل (من أجل ذلك)، لكيلا يقع القتل، ولكيلا تتكرر هذه الجريمة، وليعلم الناس بشاعة هذه الفعلة القبيحة، وهكذا يشرع الله الأحكام معللة.
وقال تعالى : ((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا))[الإسراء:32]، فعلل الله سبحانه وتعالى تحريم الزنا بأنه فاحشة، وبين لماذا قال: ولا تقربوا الزنا؛ لأنه فاحشة، ولأنه بئس السبيل لقضاء الوطر.
وقال تعالى: : ((وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا))[النساء:22]، فقد علل الله سبحانه وتعالى تحريمه أن يتزوج الإنسان زوجة أبيه كما كانت العرب تفعله في الجاهلية.
وقال تعالى: ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ))[الأحزاب:53]، فالعلة هنا الطهارة؛ فمن أجل طهارة القلب؛ اسألوهن من وراء حجاب.
فيأتي التعليل -كما رأينا- بالجمل الاسمية، وهو كثير جداً.
ويأتي التعليل أيضاً بالجمل الفعلية؛ كقوله تعالى: ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة:185]، وقوله: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا))[النساء:27-28]، فعلل الله سبحانه وتعالى ما ذكره من أحكام بأنه يريد بنا اليسر ويريد أن يتوب علينا، وأن يخفف عنا.
وهكذا جاءت كثير من الأحكام في القرآن معللة.
إذاً: التعليل في الشرع وارد بالجملة الاسمية وبالجملة الفعلية وباللام كما ذكرنا.
ومن أساليب التعليل أيضاً: التعليل بأسلوب القصر، ومثاله قول الله تبارك وتعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))[الذاريات:56]، فهذا تعليل بأسلوب القصر، وهو نفي أعقبه استثناء، وهذا من أقوى الأدلة على التعليل؛ فأكد الله سبحانه وتعالى أن هناك علة من خلقهم، فالحكمة التي من أجلها خلق الثقلان هي العبادة، فالعبادة إذاً علة مرادة يريدها الله سبحانه وتعالى.