الفريق الثاني أهل التحريف والتأويل قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
[وأما أهل التحريف والتأويل، فهم الذين يقولون: إن الأَنْبِيَاء لم يقصدوا بهذه الأقوال ما هو الحق في نفس الأمر، وأن الحق في نفس الأمر هو ما علمناه بعقولنا، ثُمَّ يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إِلَى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات، ولهذا كَانَ أكثرهم لا يجزمون بالتأويل، بل يقولون: يجوز أن يراد كذا، وغاية مامعهم إمكان احتمال اللفظ] اهـ.
أي أن الفريق الثاني أهل التحريف والتأويل يقولون: إن هناك معاني جَاءَ بها الأنبياء، وقالوها وتدل عليها النصوص، لكن لا نأخذ معانيها عَلَى ظاهرها؛ بل لا بد أن نؤولها، والحق في نفس الأمر هو ما نعلمه، وما نستنبطه نَحْنُ من القواعد والبراهين العقلية، أما ظواهر النصوص فتُحرف لتوافق ما نَحْنُ عليه، فحسبهم في الرد عليهم وفي بيان بطلان مذهبهم قولهم: إن التأويل ظني، وهم متفقون عَلَى ذلك، وهذا ما جعل أبا المعالي الجويني في الرسالة النظامية يقول: "إن ترك التأويل والانكفاف عنه هو الصحيح" بعد أن كَانَ هو أول من توسع في التأويل؛ لأن شيخ الأشعرية المؤولين الذي ينتسب إليه الأكثر بعد الأشعري، هو القاضي أبو بكر بن الباقلاني، كَانَ يثبت صفة الوجه، ويثبت صفة اليد ويثبت كثيراً من الصفات التي تسمى خبرية؛ حتى جَاءَ أبو المعالي الجويني، فتوسع لهم في التأويل في الشامل، وفي الإرشاد، وبنى عليه بعد ذلك الغزالي، ثُمَّ الرازي المذهب، وأصبح التأويل مشهوراً معلوماً، كما قال صاحب الجوهرة:
وكل نص أوهمَ التشبيها            أوله أو فوض ورم تنزيها
فإما أن تؤول، وإما أن تفوض.
فالمقصود أن مما جعل الجويني يرى أن ترك التأويل هو الصحيح، اتفاقهم عَلَى أن التأويل ظني، وعلى هذا يجوز هذا المعنى، ويجوز غيره، وحسبهم أنهم يتركون ما دل عليه الكتاب والسنة، وفهمه السلف بوضوح، ويحيلوننا إِلَى أمور ظنية ليست بأكيدة، ولا قطعية.