فالمقصود بهذا الكلام الاستدلال به عَلَى أن القُرْآن كلام الله حقيقة، وأما المعاني فهي معاني هذا الكلام، وليس ما في المصحف هو معنى الكلام والمدلول هو في ذات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كما يذهب إِلَى ذلك الخلف عموماً، ويقول: [بل كلام الله محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف كما قال ذلك أبو حنيفة في الفقه الأكبر].
أراد المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- أن يرد عَلَى من يقول: إنه يطلق عَلَى القُرْآن كلام الله عَلَى سبيل المجاز وليس عَلَى الحقيقة، وأن يقرر: بأن القُرْآن في هذه الثلاث الحالات -حالة كونه في المصاحف مكتوباً، أو بالألسن مقروءاً، أو في الصدور محفوظاً- هو كلام الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الحقيقة، فهو حقيقة في الثلاث الحالات، لكن الإطلاقات تختلف.
ولو قلنا: إن فيه خط فلان مثلاً فيكون المعنى حقيقياً وليس مجازياً، ويفيد أن هذا الخطاط كتب كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهو أيضاً كلام الله عَلَى الحقيقة؛ لأنه ينسب إِلَى من قاله مبتدءاً، وهو الله عَزَّ وَجَلَّ.
فنقول: هذا كلام الله؛ لأنه هو الذي قاله وتكلم به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهذا كلام حقيقي لا مجاز فيه، ونقول: هذا خط فلان وهو حقيقي لا مجاز فيه لأننا نعني عملية رسم المصحف نفسها.
وإذا قيل: فيه مداد قد كتب به فهم منه معنىً صحيحاً حقيقياً، أن هذا كلام الله، وفيه مداد، وقد كتب به، فهذا معنى حقيقي؛ لأن هذه الحروف كتبت بمداد معين، فالمعنى إذاً حقيقي وليس هناك مجاز في هذه الحالات الثلاث.