شرح إبن أبي العز
شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .
1 -
قال الطحاوي رحمه الله:
وذلك من عقد الإيمان، وأصول المعرفة، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته، كما قال تعالى في كتابه: (( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ))[الفرقان:2] وقال تعالى: (( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ))[الأحزاب:38].
قال المصنف رحمه الله:
الإشارة إلى ما تقدم من الإيمان بالقدر وسبق علمه بالكائنات قبل خلقها، قال صلى الله عليه وسلم في جواب السائل عن الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه)، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (يا عمر ! أتدري من السائل؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبرائيل أتاكم يعلمكم دينكم) رواه مسلم .
وقوله: والاعتراف بتوحيد الله وربوبيته، أي: لا يتم التوحيد والاعتراف بالربوبية إلا بالإيمان بصفاته تعالى، فإن من زعم خالقاً غير الله فقد أشرك، فكيف بمن يزعم أن كل أحد يخلق فعله؟! ولهذا كانت القدرية مجوسَ هذه الأمة، وأحاديثهم في السنن. وروى أبو داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم).
وروى أبو داود أيضاً عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل أمة مجوس ومجوسُ هذه الأمة الذين يقولون: لا قَدَر، من مات منهم فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم فلا تعودوهم، وهم شيعة الدجال ، وحق على الله أن يلحقهم بـالدجال).
وروى أبو داود أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم).
وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من بني آدم ليس لهم في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية).
لكن كل أحاديث القدرية المرفوعة ضعيفة، وإنما يصح الموقوفُ منها. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (القدر نظام التوحيد، فمن وحَّد الله وكذَّب بالقدر نقض تكذيبُه توحيده). وهذا لأن الإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بعلم الله القديم وما أظهر من علمه في خطابه وكتابه مقادير الخلائق، وقد ضل في هذا الموضع خلائق من المشركين والصابئين والفلاسفة وغيرهم ممن ينكر علمه بالجزئيات أو بغير ذلك، فإن ذلك كله مما يدخل في التكذيب بالقدر.
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
2 -
[وأما قدرة الله على كل شيء فهو الذي يكذب به القدرية جملة، حيث جعلوه لم يخلق أفعال العباد، فأخرجوها عن قدرته وخلقه.
والقدر الذي لا ريب في دلالة الكتاب والسنة والإجماع عليه -وأن الذي جحدوه هم القدرية المحضة بلا نزاع-؛ هو ما قدره الله من مقادير العباد، وعامة ما يوجد من كلام الصحابة والأئمة في ذم القدرية يعني به هؤلاء، كقول ابن عمر رضي الله عنهما -لما قيل له: (يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف-: أخبرهم أني منهم بريء، وأنهم مني برآء).
والقدر -الذي هو التقدير المطابق للعلم-: يتضمن أصولاً عظيمة:
أحدها: أنه عالم بالأمور المقدرة قبل كونها، فيثبت علمه القديم، وفي ذلك الرد على من ينكر علمه القديم.
الثاني: أن التقدير يتضمن مقادير المخلوقات، ومقاديرها هي صفاتها المعينة المختصة بها، فإن الله قد جعل لكل شيء قدراً، قال تعالى: (( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ))[الفرقان:2] فالخلق يتضمن التقدير، تقدير الشيء في نفسه، بأن يُجعل له قدرٌ، وتقديره قبل وجوده، فإذا كان قد كتب لكل مخلوق قدره الذي يخصه في كميته وكيفيته، كان ذلك أبلغ في العلم بالأمور الجزئية المعينة، خلافاً لمن أنكر ذلك، وقال: إنه يعلم الكليات دون الجزئيات! فالقدر يتضمن العلم القديم والعلم بالجزئيات.
الثالث: أنه يتضمن أنه أخبر بذلك وأظهره قبل وجود المخلوقات إخباراً مفصلاً، فيقتضي أنه يمكن أن يعلم العباد الأمور قبل وجودها علماً مفصلاً، فيدل ذلك بطريق التنبيه على أن الخالق أولى بهذا العلم، فإنه إذا كان يُعلم عباده بذلك، فكيف لا يعلمه هو؟!
الرابع: أنه يتضمن أنه مختار لما يفعله، محدث له بمشيئته وإرادته، ليس لازماً لذاته.
الخامس: أنه يدل على حدوث هذا المقدور، وأنه كان بعد أن لم يكن، فإنه يقدره ثم يخلقه]
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..