شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .

1 - قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: [ وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء ، والأدوات، لاتحويه الجهات الست كسائر المبتدعات]. قال المصنف رحمه الله تعالى : [ أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة ، وهي: أن للناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال : فطائفة تنفيها ، وطائفة تثبتها ، وطائفة تفصل، وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا بين ما أثبت بها فهو ثابت ، وما نُفي بها فهو منفي ؛ لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام، كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقاً وباطلاً ، ويذكرون عن مثبتيها مالا يقولون به ، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنىً باطلاً مخالفاً لقول السلف، ولما دل عليه الكتاب والميزان . ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها ، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه، ولا وصفه به رسوله نفياً ولا إثباتاً ، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون ، فالواجب أن ينظر في هذا الباب ، أعني: باب الصفات ، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه ، وما نفاه الله ورسوله نفيناه ، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي ، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني. وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها لا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها : فإن كان معنى صحيحاً قبل ، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص ، دون الألفاظ المجملة ، إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد ، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها ، ونحو ذلك ]. اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
2 - [ والشيخ رحمه الله تعالى أراد الرد بهذا الكلام على المشبهة ، كداود الجواربي وأمثاله القائلين : إن الله جسم ، وإنه جثة، وأعضاء وغير ذلك ! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً . فالمعنى الذي أراده الشيخ -رحمه الله- من النفي الذي ذكره هنا حق ، ولكن حدث بعده من أدخل في عموم نفيه حقاً وباطلاً ، فيحتاج إلى بيان ذلك . وهو أن السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون لله حداً ، وأنهم لا يحدون شيئاً من صفاته . قال أبو داود الطيالسي: كان سفيان، وشعبة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وشريك، وأبو عوانة لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون ، يروون الحديث ولا يقولون : كيف ؟ وإذا سئلوا قالوا بالأثر . وسيأتي في كلام الشيخ : "وقد أعجز عن الإحاطة خلقه" فعلم أن مراده أن الله يتعالى عن أن يحيط أحد بحّده ، لا أن المعنى أنه غير متميز عن خلقه، منفصل عنهم مباين لهم. سئل عبد الله بن المبارك: بم نعرف ربنا ؟ قال : بأنه على العرش ، بائن من خلقه، قيل بحد؟ قال: بحد، انتهى. ومن المعلوم أن الحد يقال على ما ينفصل به الشيء ويتميز به عن غيره، والله تعالى غير حالٍّ في خلقه ، ولا قائم بهم ، بل هو القيوم القائم بنفسه ، المقيم لما سواه فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلاً ، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ونفي حقيقته . وأما الحد بمعنى العلم والقول ، وهو أن يحده العباد ، فهذا منتفٍ بلا منازعة بين أهل السنة. قال أبو القاسم القشيري في (رسالته) سمعت الشيخ أبا عبدالرحمن السلمي: سمعت منصور بن عبدالله: سمعت أبا الحسن العنبري: سمعت سهل بن عبدالله التستري يقول، وقد سئل عن ذات الله فقال : ذات الله موصوفة بالعلم ، غير مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا إحاطة ولا حلول، وتراه العيون في العقبى ،ظاهراً في ملكه وقدرته، قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته ،ودلهم عليه بآياته ، فالقلوب تعرفه ، والعيون لا تدركه ، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار ، من غير إحاطة ولا إدراك نهاية]. اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
3 - [ وأما لفظ الأركان والأعضاء والأدوات فيتسلط بها النفاة على نفي بعض الصفات الثابتة بالأدلة القطعية، كاليد و الوجه . قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر: له يد ووجه ونفس، كما ذكر تعالى في القرآن من ذكر اليد والوجه والنفس، فهو له صفة بلا كيف، ولا يقال : إن يده قدرته ونعمته، لأن فيه ابطال الصفة انتهى. وهذا الذي قاله الإمام رضي الله عنه ثابت بالأدلة القاطعة قال تعالى: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي)) [صّ:75] . ((وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ )) [الزمر:67] وقال تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)) [القصص: 88]، ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ)) [الرحمن:27] وقال تعالى: ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)) [المائدة:116] وقال تعالى: ((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)) [الأنعام:54] وقال تعالى: ((وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)) [طـه:41] وقال تعالى: ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ))[آل عمران: 28] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة لما يأتي الناسُ آدم فيقولون له: ( خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ) الحديث . ولا يصح تأويل من قال : إن المراد باليد: القدرة، فإن قوله: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ)) [صّ: 75] لا يصح أن يكون معناه بقدرتي مع تثنية اليد، ولو صح ذلك لقال إبليس: وأنا أيضاً خلقتني بقدرتك، فلا فضل له عليّ بذلك، فإبليس -مع كفره- كان أعرف بربه من الجهمية ولا دليل لهم في قوله تعالى: ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)) [يّـس:71] لأنه تعالى جمع الأيدي لما أضافها إلى ضمير الجمع، ليتناسب الجمعان اللفظيان، للدلالة على الملك والعظمة. ولم يقل "أيديَّ" مضاف إلى ضمير المفرد ولا "يدينا" بتثنية اليد مضافة إلى ضمير الجمع فلم يكن قوله: ((مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا)) [يّـس:71] نظير قوله: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ)). [صّ: 75] وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: ( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه )، ولكن لا يقال لهذه الصفات إنها أعضاء، أو جوارح، أو أدوات، أو أركان، لأن الركن جزء الماهية، والله تعالى هو الأحد الصمد، لا يتجزأ سبحانه وتعالى والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية، تعالى الله عن ذلك، ومن هذا المعنى قوله تعالى: ((الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)) [الحجر:91] والجوارح فيها معنى الاكتساب والانتفاع .وكذلك الأدوات هي الآلات التي ينتفع بها في جلب المنفعة، ودفع المضرة، وكل هذه المعاني منتفية عن الله تعالى، ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله تعالى فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني، سالمة من الاحتمالات الفاسدة، فلذلك يجب أن لا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفياً ولا إثباتاً، لئلا يُثبت معنى فاسد، أو يُنفى معنى صحيحٌ . وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل ]. اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
4 - [ وأما لفظ الجهة، فقد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمرٌ موجودٌ غير الله تعالى كان مخلوقاً، والله تعالى لا يحصره شيء، ولا يحيط به شيء من المخلوقات، تعالى الله عن ذلك. وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم، فليس هناك إلا الله وحده، فإذا قيل: إنه في جهة بهذا الاعتبار، فهو صحيح، ومعناه: أنه فوق العالم، حيثُ انتهت المخلوقات، فهو فوق الجميع، عال عليه، ونفاة لفظ "الجهة" الذين يريدون بذلك نفي العلوّ يذكرون من أدلتهم: أن الجهات كلها مخلوقة، وأنه كان قبل الجهات، وأن من قال: إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم، أو أنه كان مستغنياً عن الجهة ثم صار فيها، وهذه الألفاظ ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات، سواء سمي جهة أو لم يسم، وهذا حق، ولكن الجهة ليست أمراً وجوديَّاً، بل أمر اعتباريّ، ولا شك أن الجهات لا نهاية لها، وما لا يوجد فيما لا نهاية له فليس بموجود ]. اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..