شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .

1 - [ وقوله: "أو تأولها بفهم" أي:ادعى أنه فهم لها تأويلاً يخالف ظاهرها ، وما يفهمه كل عربي من معناها ، فإنه قد صار اصطلاح المتأخرين في معنى التأويل أنه صرف اللفظ عن ظاهره ، وبهذا تسلط المحرفون على النصوص ، وقالوا : نحن نؤول ما يخالف قولنا فسموا التحريف : تأويلاً ، تزييناً له وزخرفة ليقبل ، وقد ذم الله الذين زخرفوا الباطل ، قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)) [الأنعام:112] ، والعبرة للمعاني لا للألفاظ ، فكم من باطل قد أقيم عليه دليل مزخرف عورض به دليل الحق، وكلامه هنا نظير قوله فيما تقدم: " لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا " ، ثم أكد هذا المعنى بقوله: ( إذ كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ، ولزوم التسليم وعليه دين المسلمين ) ومراده ترك التأويل الذي يسمونه تأويلاً وهو تحريف، ولكن الشيخ رحمه الله تعالى تأدب وجادل بالتي هي أحسن كما أمر الله تعالى بقوله: ((وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل:125]، وليس مراده ترك كل ما يسمى تأويلاً ولا ترك شيئاً من الظواهر لبعض الناس لدليل راجح من الكتاب والسنة ، وإنما مراده ترك التأويلات الفاسدة المبتدعة المخالفة لمذهب السلف، التي يدل الكتاب والسنة على فسادها وترك القول على الله بلا علم ، فمن التأويلات الفاسدة تأويل أدلة الرؤية وأدلة العلو، وأنه لم يكلم موسى تكليماً ولم يتخذ إبراهيم خليلا ، ثم قد صار لفظ التأويل مستعملاً في غير معناه الأصلي . فالتأويل: في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم : هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام ، فتأويل الخبر: هو عين المخبر به وتأويل الأمر : نفس الفعل المأمور به كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ) يتأول القرآن، وقال تعالى: ((هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ)) [الأعراف:53] ، ومنه تأويل الرؤيا، وتأويل العمل، كقوله: ((هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ)) [يوسف:100] وقوله: ((وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث)) [يوسف:6] وقوله : ((ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) [النساء:59] وقوله: ((سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)) [الكهف:78] إلى قوله: ((ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)) [الكهف:82]. فمن ينكر وقوع مثل هذا التأويل، والعلم بما تعلق بالأمر والنهي منه؟ وأما ما كان خبراً كالإخبار عن الله واليوم الآخر فهذا قد لا يعلم تأويله الذي هو حقيقته إذ كانت لا تعلم بمجرد الإخبار؛ فإن المخبر إن لم يكن قد تصور المخبر به ، أو ما يعرفه قبل ذلك لم يعرف حقيقته التي هي تأويله بمجرد الإخبار ، وهذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ، لكن لا يلزم من نفي العلم بالتأويل نفي العلم بالمعنى الذي قصد المخاطب إفهام المخاطب إياه، فما في القرآن آية إلا وقد أمر الله بتدبرها، وما أنزل آية إلا وهو يحب أن يعلم ما عنى بها، وإن كان من تأويله ما لا يعلمه إلا الله فهذا معنى التأويل في الكتاب والسنة وكلام السلف وسواء كان هذا التأويل موافقاً للظاهر أو مخالفاً له . والتأويل في كلام كثير من المفسرين كابن جرير ونحوه، يريدون به تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو خالف، وهذا اصطلاح معروف، وهذا التأويل كالتفسير يحمد حقه، ويرد باطله، وقوله تعالى: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)) الآية[آل عمران:7] فيها قراءتان: قراءة من يقف على قوله : (( إِلَّا اللَّهُ )) وقراءة من لا يقف عندها، وكلتا القراءتين حق، ويراد بالأولى: المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله. ويراد بالثانية: المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله ، ولا يريد من وقف على قوله: (( إِلَّا اللَّهُ )) أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لاحظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم: ((آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)) [آل عمران: 7]. وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله، ولقد صدق رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال : ( اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل ) رواه البخاري وغيره، ودعاؤه صلى الله عليه وسلم اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
2 - [ وقول الأصحاب رحمهم الله في الأصول: إن المتشابه: الحروف المقطعة في أوائل السور، ويروى هذا عن ابن عباس، مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس، فإن كان معناها معروفاً، فقد عرف معنى المتشابه، وإن لم يكن معروفاً، وهي المتشابه كان ما سواها معلوم المعنى، وهذا المطلوب، وأيضاً فإن الله قال: ((مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) [آل عمران:7] وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادّين ]. اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..