شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .

1 - قال أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- : [ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام] قال المصنف -رحمه الله تعالى- : [ هذا من باب الاستعارة ، إذ القدم الحسي لا تثبت إلا على ظهر شيء. أي لا يثبت إسلام من لم يسلِّم لنصوص الوحيين ، وينقاد إليها ، ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه . روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم . وهذا كلام جامع نافع ، وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل ، وهو: أن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، بل هو دون ذلك بكثير ، فإن العامي يمكنه أن يصير عالماً ولا يمكن للعالم أن يصير نبياً رسولاً ، فإذا عرف العامي المقلد عالماً فدل عليه عامياً آخر ، ثم اختلف المفتي والدال ، فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي دون الدال ، فلو قال الدال : الصواب معي دون المفتي لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفتٍ، فإذا قدمت قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفت ، فلزم القدح في فرعه! فيقول له المستفتي : أنت لمَّا شهدت له بأنه مفت ودللت عليه شهدت له بوجوب تقليده دونك ، فموافقتي لك في هذا العلم المعين، لا يستلزم موافقتك في كل مسألة ، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك ، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفتٍ ، هذا مع علمه أن ذلك المفتي قد يخطىء ]. اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
2 - [ والعقل يعلم أن الرسول معصوم في خبره عن الله تعالى ، لا يجوز عليه الخطأ فيجب عليه التسليم له والانقياد لأمره، وقد علمنا بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو قال للرسول : هذا القرآن الذي تلقيه علينا ، والحكمة التي جئتنا بها قد تضمن كل منهما أشياء كثيرة تناقض ما علمناه بعقولنا ، ونحن إنما علمنا صدقك بعقولنا ، فلو قبلنا جميع ما تقوله مع أن عقولنا تناقض ذلك لكان قدحاً في ما علمنا به صدقك ، فنحن نعتقد موجب الأقوال المناقضة لما ظهر من كلامك ، وكلامك نعرض عنه لا نتلقى منه هدياً ولا علماً ، لم يكن مثل هذا الرجل مؤمناً بما جاء به الرسول ولم يرض منه الرسول بهذا ، بل يعلم أن هذا لو ساغ لأمكن كل أحد أن لا يؤمن بشيء مما جاء به الرسول ، إذاً العقول متفاوتة ، والشبهات كثيرة ، والشياطين لا تزال تلقي الوساس في النفوس ، فيمكن كل أحد أن يقول مثل هذا في كل ما أخبر به الرسول وما أمر به !! وقد قال تعالى: ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ)) [النور: 54] ، وقال: ((فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ))[النحل: 35] وقال: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) [ابراهيم:4]، ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)) [المائدة: 15] ، ((حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ)) [الزخرف:1، 2]، ((تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ)) [يوسف:1] ، ((مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [يوسف: 111] ، ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) [النحل: 89] ، ونظائر ذلك كثيرة في القرآن . فأمر الإيمان بالله واليوم الآخر: إما أن يكون الرسول تكلم فيه بما يدل على الحق أم لا؟ والثاني باطل ، وإن كان قد تكلم بما يدل على الحق بألفاظ مجملة محتملة، فما بلغ البلاغ المبين ، وقد شهد له خير القرون بالبلاغ ، وأشهد الله عليهم في الموقف الأعظم ، فمن يدعي أنه في أصول الدين لم يبلغ البلاغ المبين ، فقد افترى عليه صلى الله عليه وسلم ] . اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..