شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .

1 - [ وقوله: فإنه ما سلم في دينه إلا من سلَّم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه، أي: سلم لنصوص الكتاب والسنة، ولم يعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات الفاسدة أو يقول: العقل يشهد بضد ما دل عليه النقل! والعقل أصل النقل! فإذا عارضه قدمنا العقل! وهذا لا يكون قط، لكن إذا جاء ما يوهم مثل ذلك فإن كان النقل صحيحاً فذلك الذي يدَّعي أنه معقول إنما هو مجهول، ولو حقق النظر لظهر ذلك. وإن كان النقل غير صحيح فلا يصلح للمعارضة فلا يتصور أن يتعارض عقل صريح ونقل صحيح أبداً، ويعارض كلام من يقول ذلك بنظيره فيقال: إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛ لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع النقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل، ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضاً للنقل؛ لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء، فكان تقديم العقل موجباً عدم تقديمه فلا يجوز تقديمه، وهذا بين واضح فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته وأن خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم ألا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلاً صحيحاً لم يجز أن يتبع بحال فضلاً عن أن يقدم فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل. فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن يعارضه بخيال باطل، نسميه معقولاً، أو نحمله شبهة أو شكاً أو نقدم عليه أراء الرجال وزبالة أذهانهم فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وحد المرسِل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل. فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل وتوحيد متابعة الرسول فلا يحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته، ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفَّذه وقبل خبره، وإلا فإن طلب السلامة فوضه إليهم، وأعرض عن أمره وخبره، وإلا حرفه عن مواضعه، وسمى تحريفه تأويلاً وحملاً فقال: نؤوله ونحمله فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب ما خلا الإشراك بالله خير له من أن يلقاه بهذه الحال بل إذا بلغه الحديث الصحيح يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يسوغ له أن يؤخر قبوله والعمل به حتى يعرضه على رأي فلان وكلامه ومذهبه؟ بل كان الفرض المبادرة إلى امتثاله من غير التفات إلى ما سواه، ولا يستشكل قوله لمخالفته رأي فلان، بل يستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتلغى نصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولاً، نعم هو مجهول! وعن الصواب معزول! ولا يوقف قبول قوله على موافقة فلان دون فلان كائناً من كان]. اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
2 - [ قال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلساً ما أحب أن لي به حمر النعم ، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حَجْرَةً إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً ، قد أحمر وجهه يرميهم بالتراب، ويقول : مهلاً يا قوم! بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، وإنما نزل يصدق بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ) . ولا شك أن الله قد حرم القول عليه بغير علم ، قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَالا تَعْلَمُونَ)) [ الأعراف:33] وقال تعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) [الإسراء:36] فعلى العبد أن يجعل ما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه ، فيصدق بأنه حق وصدق، وما سواه من كلام سائر الناس يعرضه عليه، فإن وافقه فهو حق ، وإن خالفه فهو باطل، وإن لم يعلم : هل خالفه أو وافقه لكون ذلك الكلام مجملاً لا يعرف مراد صاحبه ، أو قد عرف مراده لكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه أو بتكذيبه فإنه يمسك عنه ولا يتكلم إلا بعلم، والعلم ما قام عليه الدليل ، والنافع منه ماجاء به الرسول، وقد يكون علمه من غير الرسول ، لكن في الأمور الدنيوية مثل الطب والحساب والفلاحة ، وأما الأمور الإلهية والمعارف الدينية فهذه العلم فيها؛ ما أخذ عن الرسول لا غير ]. اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..