شرح إبن أبي العز
شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .
1 -
قال الطحاوي رحمه الله تعالى :
[ وإن القرآن كلام الله ، منه بدا بلا كيفية قولاً ، وأنزله الله على رسوله وحياً ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية ، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر ، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: ((سَأُصْلِيهِ سَقَرَ)) [المدثر:26]، فلما أوعد الله بسقر لمن قال: ((إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)) [المدثر:25] علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر ]
قال المصنف رحمه الله:
[ هذه قاعدة شريفة ، وأصل كبير من أصول الدين ، ضل فيه طوائف كثيرة من الناس، وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة .
وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال :-
أحدها : أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معاني ، إما من العقل الفعال عند بعضهم ، أو من غيره ، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.
وثانيها : أنه مخلوق خلقه الله منفصلاً عنه وهذا قول المعتزلة.
وثالثها : أنه معنى واحد قائم بذات الله ، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار ، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة ، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كالأشعري وغيره .
ورابعها: أنه حروف وأصوات أزلية ، مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام ومن أهل الحديث.
وخامسها: أنه حروف وأصوات، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً وهذا قول الكرامية وغيرهم.
وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، ويميل إليه الرازي في المطالب العلية.
وسابعها: أن كلامه يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره، وهذا قول أبي منصور الماتريدي.
وثامنها : أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات وهذا قول أبي المعالي ومن اتبعه.
وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديماً وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
2 -
[ وقول الشيخ رحمه الله: "وإن القرآن كلام الله" (إنّ) بكسر الهمزة عطف على قوله: "إنّ الله واحد لا شريك له" ثم قال: وإن محمداً عبده المصطفى، وكسر همزة (إنّ) في هذه المواضع الثلاثة لأنها معمول القول، أعني قوله في أول كلامه: نقول في توحيد الله. وقوله: كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً، رد على المعتزلة وغيرهم، فإن المعتزلة تزعم أن القرآن لم يبدُ منه، كما تقدم حكاية قولهم، قالوا: وإضافته إليه إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله، يحرفون الكلم عن مواضعه، وقولهم باطل. فإن المضاف إلى الله تعالى معانٍ وأعيان، فإضافة الأعيان إلى الله للتشريف، وهي مخلوقة له، كبيت الله، وناقة الله، بخلاف إضافة المعاني، كعلم الله، وقدرته، وعزته، وجلاله، وكبريائه، وكلامه، وحياته، وعلوه، وقهره، فإن هذا كله من صفاته، لا يمكن أن يكون شيء من ذلك مخلوقاً ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
3 -
[ والوصف بالتكلم من أوصاف الكمال، وضده من أوصاف النقص، قال تعالى: ((وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً)) [الأعراف:148]. فكان عُبَّاد العجل مع كفرهم، أعرف بالله من المعتزلة، فإنهم لم يقولوا لموسى: وربك لا يتكلم، أيضاً. وقال تعالى عن العجل أيضاً: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً)) [طه: 89] فعلم أن نفي رجع القول، ونفي التكليم نقصٌ يستدل به على عدم ألوهية العجل ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
4 -
[ وغاية شبهتهم أنهم يقولون: يلزم منه التشبيه والتجسيم ؟ فيقال لهم إذا قلنا إنه تعالى يتكلم كما يليق بجلاله انتفت شبهتهم. ألا ترى أنه تعالى قال: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ)) [يّـس:65] فنحن نؤمن أنها تكَلَّم، ولا نعلم كيف تتكلم وكذا قوله تعالى: ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)) [فصلت:21] وكذلك تسبيح الحصا والطعام وسلام الحجر كل ذلك بلا فم يخرج منه الصوت الصاعد من الرئة المعتمد على مقاطع الحروف.
وإلى هذا أشار الشيخ -رحمه الله- بقوله: "منه بدا بلا كيفية قولاً"، أي ظهر منه ولا ندري كيفية تكلمه به وأكد هذا المعنى بقوله " قولاً"، أتى بالمصدر المعرف للحقيقة، كما أكد الله تعالى التكليم بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمجاز في قوله:
((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)) [النساء:164]. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
ولقد قال بعضهم لأبي عمرو بن العلاء - أحد القراء السبعة-: أريد أن تقرأ:
((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى)) [النساء:164] بنصب اسم الله، ليكون موسى هو المتكلم لا الله! فقال أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا، فكيف تصنع بقوله تعالى:
((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) [الأعراف:143] ؟ فبهت المعتزلي! ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
5 -
[ وكم في الكتاب والسنة من دليل على تكليم الله تعالى لأهل الجنة وغيرهم قال تعالى: ((سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)) [يـس:58] عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا أبصارهم، فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة! وهو قول الله تعالى: :((سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)) فينظر إليهم، وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم، وتبقى بركته، ونوره عليهم في ديارهم) رواه ابن ماجه وغيره.
ففي هذا الحديث إثبات صفة الكلام، وإثبات الرؤية، وإثبات العلو، وكيف يصح مع هذا أن يكون كلام الرب كله معنى واحداً، وقد قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)) [آل عمران:77] فأهانهم بترك تكليمهم، والمراد أنه لا يكلمهم تكليم تكريم وهو الصحيح، إذ قد أخبر في الآية الأخرى أنه يقول لهم في النار ((اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ)) [المؤمنون:108] فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً، وقال البخاري في صحيحه: ( باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة) وساق فيه عدة أحاديث، فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى وتكليمه لهم، فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة. وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به.]
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
6 -
[ وأما استدلالهم بقوله تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء)) [الرعد:16] والقرآن شيء فيكون داخلاً في عموم "كل " فيكون مخلوقاً !! فمن أعجب العجب. وذلك: أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى، وإنما يخلقها العباد جميعها، لا يخلقها الله فأخرجوها من عموم "كل" وأدخلوا كلام الله في عمومها مع أنه صفة من صفاته، به تكون الأشياء المخلوقة، إذ بأمره تكون المخلوقات، قال تعالى: ((وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر))[الأعراف:54] ففرق بين الخلق والأمر، فلو كان الأمر مخلوقاً للزم أن يكون مخلوقاً بأمر آخر، والآخر بآخر، إلى ما لا نهاية له، فيلزم التسلسل وهو باطل، وطرد باطلهم أن تكون جميع صفاته تعالى مخلوقة، كالعلم والقدرة وغيرهما، وذلك صريح الكفر فإن علمه شيء، وقدرته شيء، وحياته شيء، فيدخل ذلك في عموم كل، فيكون مخلوقاً بعد أن لم يكن، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
7 -
[ وكيف يصح أن يكون متكلماً بكلام يقوم بغيره ؟ ولو صح ذلك للزم أن يكون ما أحدثه من الكلام في الجمادات كلامه. وكذلك أيضاً ما خلقه في الحيوانات، ولا يفرق حينئذ بين (نطق) و(أنطق) وإنما قالت الجلود: ((أَنطَقَنَا اللَّهُ))[فصلت:21] ولم تقل نطق الله. بل يلزم أن يكون متكلماً بكل كلام خلقه في غيره زوراً كان أو كذباً أو كفراً أو هذياناً !! تعالى الله عن ذلك. وقد طرَّد ذلك الاتحادية فقال ابن عربي:
وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه
ولو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره لصح أن يقال للبصير: أعمى، وللأعمى بصير؛ لأن البصير قد قام وصف العمى بغيره، والأعمى قد قام وصف البصر بغيره، ولصح أن يوصف الله تعالى بالصفات التي خلقها في غيره من الألوان والروائح والطعوم والطول والقصر ونحو ذلك ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
8 -
[ وبمثل ذلك ألزم الإمام عبد العزيز المكي بشراً المريسي بين يدي المأمون، بعد أن تكلم معه ملتزماً أن لا يخرج عن نص التنزيل، وألزمه الحجة، فقال بشر: يا أمير المؤمنين! ليدع مطالبتي بنص التنزيل ويناظرني بغيره ، فإن لم يدع قوله، ويرجع عنه، ويقر بخلق القرآن الساعة، وإلا فدمي حلال.
قال عبد العزيز: تسألني أم أسألك ؟ فقال بشر: اسأل أنت، وطمع فيَّ، فقلت له: يلزمك واحدة من ثلاث -لابد منها-: إما أن تقول: إن الله خلق القرآن - وهو عندي أنا كلامه - في نفسه أو خلقه قائماً بذاته ونفسه ، أو خلقه في غيره ؟ قال: أقول: خلقه كما خلق الأشياء كلها، وحاد عن الجواب، فقال المأمون: اشرح أنت هذه المسألة، ودع بشراً، فقد انقطع! فقال عبد العزيز: إن قال خلق كلامه في نفسه فهذا محال؛ لأن الله لا يكون محلاً للحوادث المخلوقة، ولا يكون منه شيء مخلوقاً، وإن قال: خلقه في غيره؛ فيلزم في النظر والقياس أن كل كلام خلقه الله في غيره ، فهو كلامه، فهو محال أيضاً؛ لأنه يلزم قائله أن يجعل كل كلام خلقه الله في غيره هو ، هو كلام الله ، وإن قال: خلقه قائماً بنفسه وذاته، فهذا محال لا يكون الكلام إلا من متكلم ، كما لا تكون الإرادة إلا من مريد، ولا العلم إلا من عالم، ولا يعقل كلام قائم بنفسه يتكلم بذاته ، فلما استحال من هذه الجهات أن يكون مخلوقاً علم أنه صفة لله . هذا مختصر من كلام الإمام عبد العزيز في الحيدة ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
9 -
[ وعموم (كل ) في كل موضع بحسبه ويعرف ذلك بالقرائن ألا ترى إلى قوله تعالى: ((تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)) [الأحقاف:25] ومساكنهم شيء، ولم تدخل في عموم كل شيء دمرته الريح، وذلك لأن المراد: تدمر كل شيء يقبل التدمير بالريح عادةً، وما يستحق التدمير، وكذا قوله تعالى حكاية عن بلقيس ((وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)) [النمل:23] المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك، وهذا القيد يفهم من قرائن الكلام، إذ مراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك غير محتاجة إلى ما يكمل به أمر ملكها ولهذا نظائر كثيرة ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
10 -
[ والمراد من قوله: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)) [الرعد:16] أي كل مخلوق وكل موجود سوى الله ، فهو مخلوق فدخل في هذا العموم أفعال العباد حتماً ولم يدخل في العموم الخالق تعالى، وصفاته ليست غيره لأنه سبحانه وتعالى هو الموصوف بصفات الكمال وصفاته ملازمة لذاته المقدسة لا يتصور انفصال صفاته عنه كما تقدم الإشارة إلى هذا المعنى عند قوله : ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، بل نفس ما استدلوا به يدل عليهم ، فإذا كان قوله تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)) مخلوقاً لا يصح أن يكون دليلاً ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
11 -
[ وأما استدلالهم بقوله تعالى: ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) [الزخرف:3]، فما أفسده من استدلال! فإن (جعل) إذا كان بمعنى خلق يتعدى إلى مفعول واحد كقوله تعالى: ((وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)) [الأنعام:1] وقوله تعالى: ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ* وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)) [الانبياء:31،30] وإذا تعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى خلق قال تعالى: ((وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً)) [النحل:91] وقال تعالى: ((وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً)) [البقرة:224] وقال تعالى: ((الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)) [الحجر:91] وقال تعالى: ((وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ)) [الإسراء:29] وقال تعالى: ((وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)) [الإسراء:39] وقال تعالى: ((وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً)) [ الزخرف:19] ونظائره كثيرة فكذا قوله تعالى: ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً )) [الزخرف:30 ] .
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
12 -
[ وما أفسد استدلالهم بقوله تعالى: ((نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ)) [القصص:30] على أن الكلام خلقه الله تعالى في الشجرة فسمعه موسى منها، وعموا عما قبل هذه الكلمة وما بعدها، فإن الله تعالى قال :
((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَن)) [ القصص:30] والنداء: هو الكلام من بعد: فسمع موسى عليه السلام النداء من حافة الوادي ثم قال: فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [القصص:30] أي: أن النداء كان في البقعة المباركة من عند الشجرة . كما يقول سمعت كلام زيد من البيت ، يكون من البيت لابتداء الغاية ، لا أن البيت هو المتكلم ، ولو كان الكلام مخلوقاً في الشجرة لكانت الشجرة هي القائلة: ((يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [القصص:30] وهل قال:
((إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) غير رب العالمين؟ ولو كان هذا الكلام بدا من غير الله لكان قول فرعون ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) [النازعات:24] صدقاً إذ كل من الكلامين عندهم مخلوق قد قاله غير الله، وقد فرقوا بين الكلامين على أصلهم: أن ذلك كلام خلقه في الشجرة ، وهذا كلام خلقه فرعون، فحرفوا وبدلوا واعتقدوا خالقاً غير الله وسيأتي الكلام على مسألة أفعال العباد إن شاء الله تعالى ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
13 -
[ فإن قيل فقد قال تعالى: ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)) [الحاقة:40] و[التكوير:19] وهذا يدل على أن الرسول أحدثه، إما جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: ذكر الرسول معرف أنه مبلِّغ عن مرسله، لأنه لم يقل إنه قول ملك أو نبي، فعلم أنه بلغه عمن أرسله به، لا أنه أنشأه من جهة نفسه، وأيضاً: فالرسول في إحدى الآيتين جبريل، وفي الأخرى محمد، فإضافته إلى كل منهما تبين أن الإضافة للتبليغ، إذ لو أحدثه أحدهما امتنع أن يحدثه الآخر، وأيضاً فقوله (رسول أمين)، دليل على أنه لا يزيد في الكلام الذي أرسل بتبليغه، ولا ينقص منه، بل هو أمين على ما أرسل به يبلغه عن مرسله، وأيضاً فإن الله قد كفَّر من جعله قول البشر، ومحمد صلى الله عليه وسلم بشر فمن جعله قول محمد بمعنى أنه أنشأه. فقد كفر ولا فرق بين أن يقول: إنه قول بشر، أو جني، أو ملك، والكلام كلام من قاله مبتدئاً، لا من قاله مبلغاً ومن سمع قائلاً يقول :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
قال: هذا شعر امرئ القيس ، ومن سمعه يقول: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) قال: هذا كلام الرسول، وإن سمعه يقول: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:2-4] قال هذا كلام الله، إن كان عنده خبر ذلك، وإلا قال: لا أدري مِن كلام مَن هذا؟ ولو أنكر عليه أحد ذلك لكذَّبه، ولهذا من سمع من غيره نظماً أو نثراً يقول له هذا كلام من ؟ أهذا كلامك أو كلام غيرك ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
14 -
[ وبالجملة فأهل السنة كلهم -من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف- متفقون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون في أن كلام الله: هل هو معنى واحد قائم بالذات، أو أنه حروف وأصوات تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، أو أنه لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وأن نوع الكلام قديم؟ وقد يطلق بعض المعتزلة على القرآن أنه غير مخلوق، ومرادهم أنه غير مختلق مفترى مكذوب، بل هو حق وصدق، ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين، والنزاع بين أهل القبلة إنما هو في كونه مخلوقاً خلقه الله، أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته؟ وأهل السنة إنما سئلوا عن هذا، وإلا فكونه مكذوباً مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه، ولا شك أن مشايخ المعتزلة وغيرهم من أهل البدع، معترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر، لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه، وإنما يزعمون أنهم تلقوا من الأئمة الشرائع، ولو تُرِك الناس على فطرهم السليمة وعقولهم المستقيمة، لم يكن بينهم نزاع، ولكن ألقى الشيطان إلى بعض الناس أغلوطة من أغاليطه، فَرَّق بها بينهم ((وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)) [البقرة:76].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
15 -
[ والذي يدل عليه كلام الطحاوي -رحمه الله-: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء كيف شاء، وأن نوع كلامه قديم، وكذلك ظاهر كلام الإمام أبي حنيفة-رضي الله عنه- في الفقه الأكبر، فإنه قال: ( والقرآن كلام الله في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق وكتابتنا له مخلوقة، وقراءتنا له مخلوقة والقرآن غير مخلوق ، وما ذكره الله في القرآن عن موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعن فرعون وإبليس، فإن ذلك كله كلام الله إخباراً عنهم ( وكلام الله غير مخلوق ) وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق، والقرآن كلام الله لا كلامهم، وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو من صفاته لم يزل، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا ويتكلم لا ككلامنا ) انتهى.
فقوله: ولما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو له من صفاته يعلم منه أنه حين جاء كلمه، لا أنه لم يزل ولا يزال أزلاً وأبداً يقول: يا موسى كما يفهم ذلك من قوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) [الأعراف:143] ففهم منه الرد على من يقول من أصحابه: أنه معنى واحد قائم بالنفس، لا يتصور أن يسمع، وإنما يخلق الله الصوت في الهواء، كما قال أبو منصور الماتريدي وغيره. وقوله: الذي هو من صفاته لم يزل رد على من يقول: إنه حدث له وصف الكلام بعد أن لم يكن متكلماً ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
16 -
[وبالجملة فكل ما تحتج به المعتزلة مما يدل على أنه كلام متعلق بمشيئته وقدرته، وأنه يتكلم إذا شاء، وأنه يتكلم شيئاً بعد شيء، فهو حق يجب قبوله، وما يقول به من يقول: إن كلام الله قائم بذاته، وإنه صفة له، والصفة لا تقوم إلا بالموصوف، فهو حق يجب قبوله والقول به ،فيجب الأخذ بما في قول كل من الطائفتين من الصواب، والعدول عما يرده الشرع والعقل من قول كل منهما].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
17 -
[ فإذا قالوا لنا: فهذا يلزم أن تكون الحوادث قامت به، قلنا: هذا القول مجمل، ومن أنكر قبلكم قيام الحوادث بهذا المعنى به تعالى من الأئمة ؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك، ونصوص الأئمة أيضاً، مع صريح العقل ]
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
18 -
[ ولا شك أن الرسل الذين خاطبوا الناس، وأخبروهم أن الله قال ونادى وناجى ويقول، لم يفهموهم أن هذه مخلوقات منفصلة عنه، بل الذي أفهموهم إياه: أن الله نفسه هو الذي تكلم، والكلام قائم به لا بغيره، وأنه هو الذي تكلم به وقاله، كما قالت عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: ( ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بوحي يتلى ) ولو كان المراد من ذلك كله خلاف مفهومه، لوجب بيانه، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولا يعرف في لغة ولا عقل قائل متكلم لا يقوم به القول والكلام، وإنما قام الكلام بغيره، وإن زعموا أنهم فروا من ذلك حذراً من التشبيه فلا يثبتوا صفة غيره، فإنهم إذا قالوا: يعلم لا كعلمنا، قلنا: ويتكلم لا كتكلمنا، وكذلك سائر الصفات وهل يعقل: (قادر) لا تقوم به القدرة، أو(حي) لا تقوم به الحياة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ) فهل يقول عاقل: إنه صلى الله عليه وسلم عاذ بمخلوق بل هذا كقوله: ( أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ) وكقوله: ( أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) وكقوله: ( وأعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا ) كل هذه من صفات الله تعالى. وهذه المعاني مبسوطة في مواضعها وإنما أشير إليها هنا إشارة ]
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
19 -
[ وكثير من متأخري الحنفية على أنه معنى واحد، والتعدد والتكثر والتجزؤ والتبعض في الحاصل في الدلالات، لا في المدلول، وهذه العبارات مخلوقة، وسميت "كلام الله" لدلالتها عليه وتأديه بها، فإن عبر بالعربية فهو قرآن، وإن عبر بالعبرية فهو توراة، فاختلفت العبارات لا الكلام، قالوا : وتسمى هذه العبارات كلام الله مجازاً، وهذا الكلام فاسد، فإن لازمه أن معنى قوله : ((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى)) [الإسراء:32] هو معنى قوله: ((وأقيموا الصلاة)) [البقرة :43]. ومعنى آية الكرسي هو معنى آية الدين! ومعنى سورة الإخلاص هو معنى ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)) [المسد:1] وكلما تأمل الإنسان هذا القول تبين له فساده، وعلم أنه مخالف لكلام السلف.
والحق أن التوراة والإنجيل والزبور والقرآن من كلام الله حقيقة وكلام الله تعالى لا يتناهى، فإنه لم يزل يتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء، ولا يزال كذلك، قال تعالى: ((قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)) [الكهف:109] وقال تعالى: ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [لقمان:27].
ولو كان ما في المصحف عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله لما حرم على الجنب والمحدث مسه، ولو كان ما يقرؤه القارئ ليس كلام الله لما حرم على الجنب قراءة القرآن.
بل كلام الله محفوظ في الصدور مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف كما قال أبو حنيفة رحمه الله في الفقه الأكبر وهو في هذه المواضع كلها حقيقة، وإذا قيل المكتوب في المصحف كلام الله فهم منه معنى صحيح حقيقي، وإذا قيل: فيه خط فلان وكتابته، فُهم منه معنى صحيح حقيقي، وإذا قيل : فيه مداد قد كتب به فهم منه معنى صحيح حقيقي، وإذا قيل : المداد في المصحف كانت الظرفية فيه غير الظرفية المفهومة من قول القائل : فيه السماوات والأرض، وفيه محمد وعيسى، ونحو ذلك.. وهذان المعنيان مغايران لمعنى قول القائل : فيه خط فلان الكاتب، وهذه المعاني الثلاثة مغايرة لمعنى قول القائل : فيه كلام الله . ومن لم يتنبه للفروق بين هذه المعاني ضل ولم يهتد للصواب ]
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
20 -
[ وكذلك الفرق بين القراءة التي هي فعل القارئ، والمقروء الذي هو قول الباري، من لم يهتد له فهو ضال أيضاً، ولو أن إنساناً وجد في ورقة مكتوباً : ألا كل شيء ما خلا الله باطل .
من خط كاتب معروف، لقال هذا من كلام لبيد حقيقة، وهذا خط فلان حقيقة، وهذا "كل شيء" حقيقة، وهذا حبر حقيقة، ولا تشتبه هذه الحقيقة بالأخرى].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
21 -
[والقرآن في الأصل : مصدر، فتارة يذكر ويراد به القراءة، قال تعالى: ((وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)) [الإسراء:78] وقال صلى الله عليه وسلم: ( زينوا القرآن بأصواتكم ) وتارة يذكر ويراد به المقروء قال تعالى: ((فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) [النحل:98] وقال تعالى: ((وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) [الأعراف:204] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على كل من المعنيين المذكورين. فالحقائق لها وجود عيني وذهني ولفظي ورسمي، ولكن الأعيان تعلم، ثم تذكر، ثم تكتب؛ فكتابتها في المصحف هي المرتبة الرابعة، وأما الكلام فإنه ليس بينه وبين المصحف واسطة بل هو الذي يكتب بلا واسطة ذهن ولا لسان، والفرق بين كونه في زبر الأولين وبين كونه في رق منشور أو في كتاب مكنون : واضح .
فقوله عن القرآن: ((وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)) [الشعراء:196] أي ذكره ووصفه والإخبار عنه كما أن محمداً مكتوب عندهم إذ القرآن أنزله الله على محمد لم ينزله على غيره أصلاً، ولهذا قال : في الزبر ولم يقل في الصحف ولا في الرق لأن "الزبر" جمع "زبور" والزبر هو الكتابة والجمع فقوله: ((وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)) أي : مزبور الأولين، ففي نفس اللفظ واشتقاقه ما يبين المعنى المراد ويبين كمال بيان القرآن وخلوصه من اللبس وهذا مثل قوله: ((الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ )) [الأعراف:156] أي : ذكره بخلاف قوله: فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ [الطور:3] أو ((فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)) [البروج:22] أو ((فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ)) [الواقعة:78] لأن العامل في الظرف إما أن يكون من الأفعال العامة مثل الكون والاستقرار والحصول ونحو ذلك، أو يقدر : مكتوب في كتاب أو في رق، والكتاب: تارة يذكر ويراد به محل الكتابة وتارة يذكر ويراد به الكلام المكتوب، ويجب التفريق بين كتابة الكلام في الكتاب وكتابة الأعيان الموجودة في الخارج فيه فإن تلك إنما يكتب ذكرها، وكلما تدبر الإنسان هذا المعنى وضح له الفرق].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..