شرح إبن أبي العز
شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .
1 -
يقول أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:
[ وضرب لهم آجالاً ]
قال المصنف رحمه الله تعالى :
[ يعني : أن الله سبحانه وتعالى قدر آجال الخلائق ، بحيث إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون . قال تعالى: (( إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ )) [يونس:49] وقال تعالى : ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً)) [آل عمران : 145]، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قالت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها : اللهم أمتعني بزوجي رسول الله ، وبأبي أبي سفيان، وبـأخي معاوية، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قد سألت الله لآجال مضروبة ، وأيام معدودة ، وأرزاق مقسومة ، لن يعجل شيئاً قبل حله، ولن يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار وعذاب في القبر كان خيراً وأفضل ) فالمقتول ميت بأجله ، فعلم الله تعالى وقدَّر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض ، وهذا بسبب القتل ، وهذا بسبب الهدم ، وهذا بسبب الحرق ، وهذا بالغرق ، إلى غير ذلك من الأسباب ، والله سبحانه خلق الموت والحياة ، وخلق سبب الموت والحياة .
وعند المعتزلة: المقتول مقطوع عليه أجله، ولو لم يقتل لعاش إلى أجله فكأن له أجلان . وهذا باطل ؛ لأنه لا يليق أن ينسب إلى الله تعالى أنه جعل له أجلاً يعلم أنه لا يعيش إليه ألبتة ، أو يجعل أجله أحد الأمرين ، كفعل الجاهل بالعواقب ، ووجوب القصاص والضمان على القاتل لارتكابه المنهي عنه ومباشرته السبب المحظور . وعلى هذا يخرج قوله صلى الله عليه وسلم : ( صلة الرحم تزيد في العمر ) أي : سبب طول العمر . وقد قدر الله أن هذا يصل رحمه فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية ، ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية.
ولكن قدر هذا السبب وقضاه ، وكذلك قدر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا، كما قلنا في القتل وعدمه ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
2 -
[فإن قيل: هل يلزم من تأثير صلة الرحم في زيادة العمر ونقصانه تأثير الدعاء في ذلك أم لا ؟
فالجواب: أن ذلك غير لازم، لقوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة رضي الله عنها: ( قد سألت الله تعالى لآجال مضروبة ) الحديث ، كما تقدم . فعلم أن الأعمار مقدرة، لم يشرع الدعاء بتغييرها ، بخلاف النجاة من عذاب الآخرة . فإن الدعاء مشروع له نافع فيه ، ألا ترى أن الدعاء بتغيير العمر لما تضمن النفع الأخروي شرع كما في الدعاء الذي رواه النسائي من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ) إلى آخر الدعاء . ويؤيد هذا مارواه الحاكم في صحيحه من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، وأن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ). وفي الحديث رد على من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النذر، وقال: ( إنه لا يأتي بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل ).
واعلم بأن الدعاء يكون مشروعاً نافعاً في بعض الأشياء دون بعض ، وكذلك هو ، ولهذا لا يحب الله المعتدين في الدعاء . وكان الإمام أحمد رحمه الله يكره أن يدعى له بطول العمر ، ويقول : هذا أمر قد فرغ منه ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
3 -
[وأما قوله تعالى: ((وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ)) [فاطر:11]
فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى: ((مِنْ عُمُرِه)) إنه بمنزلة قولهم: عندي درهم ونصفه، أي ونصف درهم آخر، فيكون المعنى: ولا ينقص من عمر معمر آخر، وقيل الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة، وحمل قوله تعالى: ((لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ*يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:38-39] على أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة، وأن قوله: ((وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:39] اللوح المحفوظ . ويدل على هذا الوجه سياق الآية وهو قوله: ((لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ))، ثم قال : ((يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)) أي : من ذلك الكتاب، ((وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:39] أي: أصله، وهو اللوح المحفوظ . وقيل : يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول ، وهو قوله تعالى: ((وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)) [الرعد:38] فأخبر تعالى أن الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه ، بل من عند الله ، ثم قال: ((لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:38-39] أي: أن الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها ، ثم تنسخ بالشريعة الأخرى ، فينسخ الله ما يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل ، ويثبت ما يشاء . وفي الآية أقوال أخرى ، والله أعلم بالصواب ]
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..