قَالَ المُصنِّفُ رحمه الله تعالى:
[وإنما تنازعوا في المعدوم الممكن: هل هو شيء أم لا؟ والتحقيق: أن المعدوم ليس بشيء في الخارج، ولكن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون، ويكتبه، وقد يذكره ويخبر به، كقوله تعالى: ((إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)) [الحج: 1] فيكون شيئاً في العلم والذكر والكتاب، لا في الخارج، كما قال تعالى: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))[يس:82]، وقال تعالى: ((وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً))[مريم:9]، أي: لم تكن شيئاً في الخارج، وإن كَانَ شيئاً في علمه تعالى، وقال تعالى: ((هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً))[الإِنسَان:1]] اهـ.
الشرح:
يعني: أن الشيء الذي اختلفوا فيه هو المعدوم الممكن، هل يسمى شيئاً أولا يسمى شيئاً؟
وذكر المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أن التحقيق في المعدوم في ذاته أنه ليس بشيء، فالمعدوم لا يسمى شيئاً، لكن ما كَانَ في علم الله أنه سيوجد يسمى شيئاً، باعتبار أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يعلم أنه سيوجد، لأنه -جل شأنه- يعلم بالشيء متى يوجد؟ وكيف يكون؟ قبل أن يوجده.
فما وجد وما لم يوجد بعد، هو سواء في علمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد يسمى شيئاً عنده، أما بالنسبة لنا نحن، فإن ذلك متعذر علينا ولا نسميه شيئاً، ومن الأدلة عَلَى تسمية ما لم يوجد بعد شيئاً عند الله قوله تعالى: ((إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)) [الحج:1]، والساعة لم تقم بعد، وقد وصفها الله بأنها شيء عظيم؛ لأنها ستوجد، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلم بكيفيتها إذا حدثت، وقد أخبرنا بذلك. أما بالنسبة لنا نحن، فإن ذلك متعذر علينا ولا نسميه شيئاً،
وكذلك قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) [يس:82]، أي: إذا أراد الله شيئاً يكون عَلَى وفق ما يعلمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه يعلم الشيء قبل وجوده.
وكذلك قوله تعالى: ((وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)) [مريم:9] وقوله: ((لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)) [الإِنسَان:1]، أي: لم يكن شيئاً في الوجود الخارجي، أو في العالم المشهود عند الناس، أما في علمه تَعَالَى فإنه موجود.