جاء سؤال في إذاعة لندن، قبل زمن: إذا كَانَ الله عَلَى كل شيء قدير، فهل يقدر أن يخلق أكبر منه، أو أعظم منه؟
وهذه شبهة قديمة -كما ترون ذكرها المُصنِّف هنا- وهذه الشبهة لا يقولها إنسان عاقل؛ لأن هذا الإِنسَان العاقل إن كَانَ مؤمناً بالله، فإن كل من يؤمن بالله من مسلم أو يهودي أو نصراني أو غير ذلك، يؤمن بأنه عَلَى كل شيء قدير، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا شيء مثله، ولا شيء أكبر منه، ومن قال أن هناك ما هو أكبر من الله، فالإله عنده هو الأكبر وليس الأصغر، فبطبيعة الحال يقال له: كيف تعبد الأصغر مع وجود الأكبر؟
والمعتزلة وأمثالهم يقولون: وجود مثيل لله من المحال، لأن واجب الوجود واحد لا يتعدد، وقولهم من المحال. أي: مما يحيله العقل. فيقال لهم: شيء يحيله العقل كيف تسألون عنه؟ هل يفعله الله أو يقدر عليه؟ فقد تناقضتم مع اعترافكم، ومع إقراركم بأنه محال، لا يمكن هذا أبداً، فالسؤال إنما يكون عن الأمور الممكنة، ولا يحتاج أن يرد عليكم إلا ليبين تناقضكم في نفس سؤالكم من نفس كلامكم وما تعقدونه.
وأنتم تقولون وكل العقلاء: أن المحال شيء، والممكن شيء آخر، وأن الوصفين لا يجتمعان في حق أي شيء، فنقول: ممكن ومحال في نفس الوقت، فسؤالك هذا هو عن الإمكان، والسؤال عن الإمكان لا يكون بالمحال.
وهذه من فلسفات الزنادقة، وتمويهات السفسطائية، يريدون أن يلبسوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وخاصة العوام بأمثال هذه الفلسفات، التي لا أصل لها، ولا حقيقة لها.

والحق ما أجمله المُصنِّف بقوله: هو الإيمان بربوبية الله تَعَالَى العامة والتامة، فإنه لا يؤمن بأنه رب كل شيء إلا من آمن أنه قادر عَلَى تلك الأشياء. انتهى.
ومن قَالَ: إنه رب كل شيء، يجب عليه أن يؤمن بأنه رب جميع هذه الأشياء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو ما دام ربها فهو خالقها وحده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكذلك لا يؤمن بتمام ربوبيته وكماله إلا من آمن بكمال قدرته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛
فـالمعتزلة حينما يخرجون شيئاً عن قدرة الله، سواء كَانَ فعل الشر، أو أفعال العباد، أو غير ذلك، فإنهم ينقصون من قدر الربوبية، فكأن الله ليس رباً لكل شيء لما أخرجوا ذلك عن قدرته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإلا ما دام أنه رب كل شيء كما تقولون، فإذاً كلها تخضع لقدرته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.