إن ما يتعلق بالمقدمات وخفاء الأدلة، نَحْنُ نقول: إن الطريقة الصحيحة الواجب اتباعها هي طريقة القُرْآن والسنة، وهي أجلى وأوضح من كل طريق، لكن مع ذلك لو استُخدمت طريق أخرى أقل جلاءً أو طريق خفية.
ودلت عَلَى المراد الذي دل عليه الكتاب والسنة فلا بأس بها نظراً لمرض يقع في قلوب النَّاس وفي تفكيرهم فيفهمون بالخفي ولا يفهمون بالجلي.
وهذا حتى عند بعض النَّاس الذين ينكرون الحقائق نهائياً ويستدلوا عَلَى وجود الشمس بالحرارة التي يحس بها الإِنسَان في النهار ولا يحس بها في الليل، وحقيقة الأمر أن هذا الدين أنزله الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى أمة فطرية، ليس عندها تعمقات ولا تعقيدات الأمم اليونانية، مثلاً أو الهندية.
فالفطرة السليمة نزل القُرْآن عليها وخاطبها، فآمنت واعتقدت ما يتلى عليها،
ولذلك انظروا كيف غير في معاني الكتاب والسنة لما دخل فيه أُولَئِكَ الذين تأثروا بغير منطق العرب، كما قال الإمام الشَّافِعِيّ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: " ما فسد النَّاس وتناقضوا واختلفوا إلا عندما تركوا منطق العرب ومالوا إِلَى منطق أرسطو طالين" فالمنطق معناه أسلوب التفكير العربي فلما تركه النَّاس -حتى من كَانَ عربياً منهم- ومالوا إِلَى طريقة المتكلمين الفلاسفة، كـالمتكلمين الذين أخذوا طريقة الفلاسفة أو كَانَ هو أعجمي الفطرة، ثُمَّ دخل في الإسلام، مثل: الإمام فخر الدين الرازي عَلَى عظمته وعلى سعة علمه وعلى مؤلفاته لولا لاحظتم كتابه التفسير الكبير ستشاهدون التأثر الكبير بـالفلاسفة لأنه من أئمة الكلام، فكان إمام الأشعرية في عصره.
تجد هذا الشيء الذي يتنافى مع الفطرة العربية التي هي فطرة العربي الجاهلي في فهم الألفاظ -مثلاً- يقول في قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ)) [البقرة:35] يقول: ربما فهم آدم وحواء أن النهي عن الأكل من الشجرة منصب عليهما مجتمعين، لأن اللفظ مثنى "لا تقربا" لكن لو أكل كل واحد منهم وحده لكان جائزاً، ولذلك أكل.
كلام لا يمكن لأي إنسان عنده أدنى فطرة من كلام العرب أن يصدقه، فضلاً عن عالم كبير؛ لكنه يقول: هذا ليبين أن آدم معصوماً لا يخطأ، أمثلة كثيرة جداً إذا قرأها أي إنسان منكم يتعجب، وسبب وقوع هذه العقول الكبيرة الضخمة في مثل هذا الشيء هو فساد الفطرة في هذه الفلسفات، بينما العرب الذين نزل عليهم القُرْآن قريش وغيرهم كانوا يعاندون، ويكابرون وينفون نبوة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقولون: ((وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآن آنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ))[الزخرف:31]، ويقولون: لولا أنزل معه ملك، جاءوا بحجج كبيرة جدّاً فيها عناد،، لكن لم يأتوا أبداً بمناسبات أو بردود من جنس هذا الكلام الذي فيه مماحكات أو مماطلات ليس لها معنى، بل لا يقبلها العقل ولا تقبلها الفطرة، فهم إما أن يؤمنوا به عالمين حقيقته، وإما أن ينكروه مكابرة وعناد.