قَالَ المُصنِّفُ رحمه الله تعالى:
[أما السمع: فبسمع آياته المتلوة المبينة لما عرفنا إياه من صفات كماله كلها، الوحدانية وغيرها، غاية البيان، لا كما يزعمه الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة، ومعطلة بعض الصفات، من دعوى احتمالات توقع في الحيرة، تنافي البيان الذي وصف الله به كتابه العزيز ورسوله الكريم، كما قال تعالى: ((حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِين))ِ[الزخرف:1، 2]((الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ))[يوسف:1] ((الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ))[الحجر:1] ((هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ))[آل عمران:138] ((فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ))[المائدة:92] ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))[النحل:44].
وكذلك السنة تأتي مبينة أو مقررة لما دل عليه القرآن، لم يحوجنا ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إِلَى رأي فلان، ولا إِلَى ذوق فلان ووجْدِه في أصول ديننا. ولهذا نجد من خالف الكتاب والسنة مختلفين مضطربين، بل قد قال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينا)) [المائدة:3] فلا يحتاج في تكميله إِلَى أمر خارج عن الكتاب والسنة.
وإلى هذا المعنى أشار الشيخ أبو جعفر الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فيما يأتي من كلامه بقوله: "لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا،ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله -عَزَّ وَجَلَّ- ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما آياته العيانية الخلقية: فالنظر فيها والاستدلال بها يدل عَلَى ما تدل عليه آياته القولية السمعية، والعقل يجمع بين هذه وهذه، فيجزم بصحة ما جاءت به الرسل، فتتفق شهادة السمع والبصر والعقل والفطرة] اهـ.

الشرح:
من رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ أن بين للبشر وحدانيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غاية البيان، بطرق البيان الثلاثة وهي وسائط المعرفة التي عن طريقها نعرف أي شيء وهي:
أ-السمع.
ب-والبصر.
جـ-والعقل أو القلب أي: التفكر والتدبر.
وهذه الثلاثة هي المنافذ التي تصب جميعاً في المعرفة، فتتكون معرفة الإِنسَان للأشياء والأمور بهذه الطرق الثلاثة، ولذلك نجد أن الذي ولد أعمى -مثلاً- لا يكون لديه أحد هذه المصادر وهو النظر، فلا يستطيع أن يتمتع بآيات الله الكونية، وفاقد السمع أشد من ذلك، لأنه لا يستطيع أن يفهم إلا عن طريق السمع، وإن كَانَ يبصر هذه الأشياء، ومن حرم التفكير والعقل فقد حرم كل شيء أصلاً، وإن كَانَ به سمع أو بصر.
والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد بين وجلى وحدانيته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأنه لا شريك له من هذه الطرق الثلاثة كلها، حتى يقر في قلب الإِنسَان معرفة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ووحدانيته.

وأعظم المعارف -كما قال إمام النحاة - سيبويه- هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن هذه المنافذ الثلاثة، ووسائل المعرفة كلها تدل دلالات قطعية، وتبين بيانات لا لبس فيها أبداً؛ أنه واحد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأنه لا شريك له، لا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته.
قول المصنف: [أما السمع فبسمع آياته المتلوة ...].
كلمة السمع تطلق ويراد بها: هذه الحاسة "أي: الأذن" وتطلق في علم الكلام -كما يسمونه- بما يقابل الأدلة العقلية.