وامتداداً لذلك نظر -رحمه الله تعالى- إِلَى بيان أن هذا التوحيد ليس هو المطلوب لذاته، وإنما يأتي في القُرْآن للاستدلال به، وإلزام الْمُشْرِكِينَ بتوحيد الألوهية.
ومن جعله هو المطلوب لذاته وهو الغاية من الطريقة والعبادة كما يقول بعض الضلال والصوفية أو بعض علماء الكلام - فهو عَلَى خطأ عظيم،
فـالصوفية يدعون أن غاية التوحيد هو أن يعتقد أنه لا تأثير لأحد في الكون إلا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقول صحاب جوهرة التوحيد المنظومة في العقيدة الأشعرية:
والفعل في التأثير ليس إلا            للواحد القهار جل وعلا
ومن يقل بالقوة المودعـةِ            فذاك بـدعي فلا تلتفتِ
ومن يقل بالطبع أو بالعلة            فذاك كفـر عند أهل الملة
فالتوحيد هو: أن يعتقد الإِنسَان أنه لا مؤثر ولا فاعل في الكون إلا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولو دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، وهو يعتقد أن المؤثر هو الله وحده، وأن هذا المدعو أو المرجو أو المعبود من دون الله سواء كَانَ ملكاً أو نبياً أو عبداً صالحاً ما هو إلا واسطة ووسيلة وشفيع، وأن المؤثر الفاعل الحقيقي هو الله فهذا عندهم لا يسمى مشركاً، فمن قَالَ: إنه مشرك فقد كفّر الْمُسْلِمِينَ وهو من الخوارج إِلَى آخر ما يقولون!
فإن حقيقة التوحيد عندهم، والغاية النهائية من التوحيد أن يترقى الإِنسَان في فهم الوحدانية حتى يصل به الأمر -كما يقولون- إِلَى أن يعتقد أن هذا العالم كله لا تأثير فيه لأحد إلا الله، وكل هذه الأفعال التي نراها في الكون هي من فعل الله وحده فقط.

ونحن نرد عليهم ونبين ونكشف هذه الشبهات بالأدلة القطعية الجلية من كتاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومن سنة رسوله الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن البراهين اليقينية التي يجدها كل مسلم في نفسه، وهي: أن الْمُشْرِكِينَ في الجاهلية ما كانوا يعتقدون لأحد تأثيراً غير الله، وما كانوا يعتقدون أن أحداً خلق أو رزق غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
هذه هي عقيدة الجاهليين والذين يعبدونهم من دون الله من الآلهة -اللات والعزى ومناة وهبل وود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، فهذه المعبودات والكهان الذين كانوا يطيعونهم بما يأمرونهم، ويلقون إليهم إنما هم واسطة أو وسيلة((أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ))[الزمر:43] ويقولون في تلبيتهم: "لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك".
فلم يجعلوا لغير الله ملكاً ولا تأثيراً ولا فعلاً، ولم يكن أحد من كفار قريش يعتقد أن اللات أو هبل هي التي خلقت هذه الجبال التي يراها أهل مكة، أو هي التي خلقت فلاناً وفلاناً قصي وعبد المطلب من زعماء مكة.
إذاً؛ نقول لهم: أنتم تريدون أن ترجعونا إِلَى عين الشرك القديم، وإلى حقيقة الشرك القديم، وهو أنكم تقولون: إنَّ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ الذين يدعون الإسلام -مثلاً- يعتقدون أنه لا تأثير لأحد إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.