استطرد المُصنِّف هنا فتكلم عن مسألة الماهية.
يقول علماء المنطق: السؤال عن الماهية له أداتان "ما" وَ "أي".
فـ"ما": تسأل به عن الشيء لتعرف ماهيته أو حقيقته.
و"أي": تسأل به عن الشيء لتخصيصه عن غيره.
ولما قال فرعون: ((وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء:23] سأل موسى عن الماهية، لأن "ما" أداة الماهية، فعجز موسى عن شرح ماهية الله، فعدل عن الجواب وقَالَ: ((رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا))[الشعراء:24] وهذا الكلام خطأ متناقض.
وذلك أن فرعون لم يكن يعرف علم المنطق ولا الماهية معروفاً عنده، وإنما أراد أن يجحد وينكر أن يكون هناك إله، فقَالَ: ((وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء:23] أي: ليس موجوداً هذا الإله، ولذلك لما ألزمته الحجة وقال له موسى: (((رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)) [الشعراء:26] قَالَ: ((إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)) [الشعراء:27].
فلم يكن له حجة، ولذا نسب كلام موسى للجنون، ولم يكن مقصوده الاستفهام عن ماهية الله، ولذلك لما جَاءَ وقت الشدة قَالَ: ((آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ)) [يونس:90] فالشاهد أن فرعون كَانَ عالماً بوجود الله، ولكنه أنكر ذلك جحداً وقوله: ((وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء:23] هو إنكار وجحد، وأما الاصطلاح المنطقي عن الماهية، وأنها تطلق عَلَى الذات مجردة من الصفات -أي عن الحقيقة الكلية الوجودية- فهذا كلام لا داعي بأن نتعب أنفسنا فيه وهو باطل ومردود.