فالذين وضعوا قواعد التأويل متفقون ومطبقون ومجمعون عَلَى أن هذا التأويل لم يعرفه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا الصحابة، ويقولون: هذا من أصول الدين التي يجب أن نتمسك بها، ويردون بها كثيراً من النصوص، ويحرفون بها معاني كثير من الآيات لأنها قاعدة ضرورية!
كيف تقولون إنه من أصول الدين مع قولكم: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكره ولم يتعرض له ولم يأت به؟!
فلازم كلامكم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بلغ، وقد خان الأمانة والرسالة عياذاً بالله، وبذلك نفهم أهمية توثيق قضايا العقيدة التي خالفت فيها الفرق، وترتيبها وإرجاعها إِلَى القضايا المحكمة.
ولذلك قال الشيخ
مُحَمَّد بن عبد الوهاب رَحِمَهُ اللَّهُ في
كشف الشبهات : "إن العامي الموحد يغلب الألف من الْمُشْرِكِينَ أو من أصحاب البدع".
لأنه وإن كَانَ عامياً، وعلمه محدود، لكنه يرجع القضايا المشتبهة الشائكة التي يخوض فيها العلماء إِلَى قضايا واضحة وأصول وضوابط محكمة.
فنرد المتشابهات أو المشكلات إِلَى المحكم الواضح الجلي، فإن جَاءَ أحد وقَالَ: نؤول هذه، أو نترك هذه، فعندنا كلمة عامة محكمة وهي: ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنا به، وهكذا...
فمن جاءنا وقَالَ: هذه زيادة نعمل بها، ولم يعملها بها الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، ولم يأت فيها شيء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالجواب عليه أنه: ما دام كذلك فهي ليست من الدين ولا أجر فيها ولا ثواب، بل فيها العقوبة والرد
{من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}.
وهذا ينطبق عَلَى ما وضع من قواعد علم الكلام، والبدع العملية والفرعية، بل كل بدعة ابتدعت فهي داخلة فيما أحدث بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والافتراق لم يقع في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يكن هناك معتزلة أو مرجئة.
لكن كيف تفرقت الأمة؟ وكيف ظهرت هذه البدع؟
ورد الحديث بذكر ذلك، وإن كَانَ بعضهم يطعن فيه، لأنه ليس في الصحيحين، وإنما ورد في المسند، وعند ابن أبي عاصم، وفي السنن في روايات كثيرة: {إن هذه الأمة تفترق عَلَى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النَّار إلا واحدة}وبعضها تذكر {إن اليهود افترقت عَلَى إحدى وسبعين فرقة والنَّصَارَى افترقت عَلَى اثنين وسبعين فرقة، وهذه الأمة تفترق عَلَى ثلاث وسبعين فرقة} وبعضها لا يذكر زيادة {كلها في النَّار إلا واحدة} وبعض الروايات تذكر صفات الفرقة الناجية وأنها {ما أنا عليه اليوم وأصحابي}.
الشاهد أن مجموع الروايات تدل عَلَى صحة الحديث، حتى إن بعضهم عده من الأحاديث المتواترة مع أنه ليس في أحد الصحيحين، لكن الافتراق في ذاته ثابت وواضح من أدلة قطعية غير هذه الألفاظ، وغير هذه الروايات التي وردت في الحديث.