ومن العبر التي ينبغي أن نكتسبها من حياة الإمام ابن أبي العز: أنه رحمه الله تعالى جاهد في الله جهاداً كبيراً من أجل هذه العقيدة، وقد أدى تمسكه بهذه العقيدة التي شرحها إِلَى أن يضطهد ويسجن، مع أنه كَانَ يسمى" قاضي القضاة " أي أكبر القضاة، وإن كَانَ هذا الاسم لا يجوز أن يُسمى به.
وولي قضاء مصر فكان القاضي الأكبر في دولة المماليك، ثُمَّ ظهر أحد أمراء المماليك فَقَالَ قصيدة -إما أنه قالها أو أنها قيلت له- وكان فيها شرك وغلو، ، وفي القرن الثالث وما قبله وبعده كثر الغلو في رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشرك في كلام الشعراء، فأنكر الإمام القاضي ابن أبي العز ما في هذه القصيدة من الشرك، ولم يبال بأن قائلها من الأمراء والأسرة الحاكمة المملوكية، وفي الحديث {إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر}، فلما قال كلمة الحق في هذه القصيدة وبيّن ما فيها من الشرك؛ أدى ذلك إِلَى أن يعزل من منصبه ويضطهد ويفقد الجاه.
ولكنه - وهذا هو الأهم - لم يفقد العقيدة الصحيحة التي هي أغلى ما يملك الإِنسَان، فمهما فقد من أعراض الدنيا ومناصبها ومتاعها فإنه ليس بفاقدٍ حقيقةً، إلا إذا فقد العقيدة الحقة التي يدين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بها.