يمكن إيجاز الواقع في العقود الأخيرة بأنه انتشار للعقيدة وانتكاسة للكنيسة.
أما العقيدة ذاتها (أي إنكار التثليث أو إنكار ألوهية المسيح) فقد تنامت حتى يمكن القول: إنها عقيدة الأغلبية في أمريكا هذه الأيام، وفقًا لاستبانات كثيرة لا مجال للتفصيل فيها.
وأما الكنيسة فقد تقلصت، بل انتكست ــ مع أن تقديراتها تقول: إن لها زهاء ألف معبد ينتمي إليها، حوالي (160ألف) عضو، وانحرف كثيرٌ من أتباعها انحرافًا خطيرًا؛ وذلك أن الغليان الفكري والاجتماعي في أمريكا لدى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، أدى إلى ظهور موجة من التحلل والتفسخ والانقسامات الدينية الحادة والحركات المتطرفة، وشمل ذلك الكنيسة الموحدية التي تحولت تحولًا كبيرًا إلى الاتجاه اللبرالي، واتخذت خطوة بعيدة بتوحدها مع (كنيسة الخلاص للجميع) (اليونيفرسالية)، وهي كنيسة تدعي التوحيد أسست (1793م)، والواقع أنها لا تؤمن بالتثليث، لكنها تؤمن بعقيدة الخلاص للجميع.
ومع تنامي موجة التحرير والانحلال، تحولت هذه العقيدة إلى إقرار عام لجميع الأديان والأفكار، وكان الاندماج بين الكنيستين سنة (1961م)، ومن ثم بدأت مسيرة الذوبان مع كنائس كثيرة في بوتقة اللبرالية الحديثة ــ التي تشمل تنوعًا مدهشًا من العقائد الشرقية والغربية ــ تعطي برهانًا ساطعًا على حاجة هذه الأمة إلى الدين الصحيح، وتلقي على كاهل المسلمين واجبًا عظيمًا في إنقاذ هؤلاء الحيارى في مجتمع يظل ــ بغض النظر عن مواقف حكومته ــ من أكثر مجتمعات العالم تقبلًا للإسلام وإقبالًا على التعرف عليه.
ومما يزيد ذلك توكيدًا: أن الاتجاه المقابل للاتجاه اللبرالي ــ ونعني به: الاتجاه الأصولي الصهيوني ــ قد أخذ في التقهقر، وقد يسقط سقوطًا سريعًا في حالة إخفاق (جورج دبليو بوش) في الفوز بالرئاسة ثانيةً، وهو احتمال وارد بعد تورطه في الحرب الصليبية المسماة (الحرب على الإرهاب)، وما تتضمنه من فضائح أخلاقية، وإخفاقات سياسية وعسكرية أسهمت في كشف الوجه القبيح لـأمريكا على المستوى العالمي.
إنها لمفارقة عجيبة أن تؤسِّس أمريكا لتكون تنويرية توحيدية، وينتهي بها الأمر لتكون إنجيلية صهيونية صليبية، ولكن هذا التحول البعيد ينبغي أن يفتح باب الأمل لأمة التوحيد الحقيقي لأن تجتهد في تحويلها إلى أمة مسلمة تعبد الله وحده لا شريك له, وتتخلى عن الغطرسة والاستكبار لتصبح أمة عدل وسلام؛ وذلك لا يكون إلا بالإسلام.